والخامس: أنها واجبة إلا أن يعاجلونا. وظاهر كلام (القاضي) أنها مستحبة إلا أن يعاجلونا. هذا تحصيل المذهب فيه.
والقول الكلي في ذلك عندنا: أن الدعوة قسمين عامة وخاصة، فالعامة الدعوة إلى الله وتبليغ الرسالة. وقد أجمع المسلمون على أن بلوغ هذه الدعوة شرط في جواز المقاتلة أي أن حرابتهم لا تجوز حتى تكون الدعوة قد بلغتهم بلوغًا صحيحًا، والدليل عليه الكتاب، والسنة، والإجماع. فأما الكتاب قوله تعالى:{وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً}[الإسراء: ١٥]، وقال تعالى:{يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك}[المائدة: ٦٧]. وأما السنة فقد تواتر قولاً وفعلاً أنه -عليه السلام- دعا الكفار إلى الدخول في الإسلام، وأمر أبو بكر، وهو مقتضى الرسالة. وقد أجمعت الأمة على مقتضى ذلك. وأما الدعوة الخاصة فهي الدعوة المتكررة عند تكرار الحرب، وقد حكينا فيه عن المذهب خمس روايات.
وقد اختلف المتأخرون في هذه الروايات الخمس، فمنهم من جعهلا أقوالاً مختلفة، ومنهم من ردها إلى أحوال مختلفة، ورآى الوجوب إنما هو فيمن ترجى إجابته، أو ظن به أنه لم يعلم ذلك فخرج مقتضى من ذكرناه أ، العلماء في الدعوة الخاصة قد اختلفت آراؤهم، فمنهم من استحبها، ومنه من أوجبها، ومنهم من لم يوجبها، ومنهم من يستحبها، ومنهم من يراها على أحوال مختلفة، فإن كان الكفار عالمين والجيش كثير، والإجابة مظنونة فهي واجبة، وإن كان قبولهم مستبعدًا، وإجابتهم غير موجودة فهي مباحة. وإن كان الجيش صغيرًا وخاف أعمال الكفار واستطالتهم فهي محرمة. ومن شيوخنا من أوجب دعوة الترك، وروى عن مالك أنه وقف في الروم والقبط قال: "لا