وإن انبعث الجارح بنفسه من غير إرساله من يده ولا أغرى به بعد انبعاثه لم يؤكل الصيد بلا خلاف، لأن صفة التعليم غير حاصلة فإن انبعث بإرسال الصيد، وليس في يده، ففي المذهب فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يؤكل، لأن المقصود إرساله بنفسه لا كونه تحت يده.
والثاني: أنه لا يؤكل لاحتمال أن يكون انبعاث الجارح بنفسه فلا يتحقق انتفاء ذلك إلا أن يخرجه من تحت يده.
والقول الثالث: إن الجارح إن كان قريبًا أكل الصيد، لأنه إن كان قريبًا منه فكأنه تحت يده، بناء على أن ما قرب الشيء له حكمه، وإن كان الجارح بعيدًا لم يؤكل، ومبناه على أن قربه بعمل يده يغلب على الظن ائتماره له لا لنفسه فخالف البعيد.
ومن هذه الأسولة أن يبعث الصائد الجارح فيمر في الطلب نحو الصيد ثم يرجع عنه أو يتحير في موضع الطلب، ثم استمر في الطلب أكل الصيد، ولو اشتغل بشيء فأكله في أثناء مروره اشتغالًا كثيرًا، ثم تمادى في طلب الصيد لم يؤكل، وإن كان تركًا للطلب، وإن كان اشتغاله يسيرًا ففيه قولان: جواز الأكل ومنعه. أخرجه أبو الحسن اللخمي.
قوله:«ناويًا به إرساله للاصطياد والتذكية»: شيء متفق عليه، فلذلك قلنا: إن من لا تصح له النية كالمجنون والسكران لا يصح صيده، وقد تقدم الكلام في التسمية في كتاب الذبائح.
قوله:«ثم قتله الصيد بنوعين بعقر وبغير عقر»: وهذا كما ذكره ولا خلاف أن الجارح إذا قتل الصيد فوجده الصائد ميتًا، أو منفوذ المقاتل فهي تذكية، وإن وجده غير منفوذ المقاتل افتقر إلى التذكية الجارية في المقدور عليه من الذبح أو النحر. وقال الشافعي، والحسن البصري: إذا وجدته حيًا غير