والمعهود من الشريعة رفع الضرر (فما يعلم أن يضر) بالبئر الأول كذلك الحريم، وهو مختلف باختلاف الأرضي، هذا في آبار (البراري) والفلوات، وأما إذا أراد أن يحفر بئراً في أرض ملكه تضرب ببئر جاره، فهل يمنع من ذلك أم لا؟ حكي القاضي فيه روايتان المنع رفع للضرر، (والجواز) لأنه تصرف في ملكه بما يحتاج إليه.
قوله:"ومن حفر بئرًا في ملكه فإن البئر مع الأرض ملك له، وله منع الناس منها": اختلف الفقهاء في منع الماء للناس على ثلاثة أقوال: فقالت طائفة: لا يمنع ولا يباع مطلقًا كان في أرضه مملوكة أم لا؟ وهو مذهب أهل الظاهر، وقوم رأوا أنه مما يتصور ملكه، والمنع منه بالإطلاق، وفرق قوم من الفقهاء بين أن يكون في الأ {ض المملوكة فيملك، أو غير المملوكة فلا يملك، واعتمد الأولون على قوله -صلي الله عليه وسلم- (لا يمنع نفع ولا فضل ماء) وجعله رسول الله -صلي الله عليه وسلم- من الأشياء المشتركة كالحطب والنار، واعتمد من أجاز منعه على أنه كسائر (المتمولات الممتلكة).
وتحصيل مذهب مالك في ذلك: أن المياه على ثلاثة أقسام: عام، وخاص، ومتردد بين الخصوص والعموم، فالعام ضربان: الأول: الماء الجاري في الأرض المملوكة المستقر فيها، فهذا لا خلاف في المذهب أنه مملوك لمن جري في ملكه، واستقر في أرضه على صفة الملك لواحد كان أو للجماعة فلمالكه منعه، وتحجير فضله، والاختصاص بجميعه، وليس عليه أن يرسله إلى من تحته، لأنه بدخوله في أرضه وجريانه عليها، واستقراره فيها