قبلها أو مستقلة، ثم المستقلة ما وجه مناسبتها لما قبلها؟ ففي ذلك علم جم وهكذا في السور يطلب وجه اتصالها بما قبلها وما سيقت له .. اه.»
هذان النقلان نقلهما صاحب (مناهل العرفان) في الصفحة ٧٣ - ٧٤ من كتابه في طبعته الثانية
من هذين النقلين ندرك أن علماءنا قد دندنوا حول ضرورة البحث عن الصلة والمناسبة بين الآيات في السورة الواحدة. بل كان البقاعي الذي يطبع تفسيره الآن ولم أطلع عليه، يلوم علماء بغداد لإهمالهم الكلام في هذا الشأن. وكما دندنوا حول المناسبة بين الآيات في السورة الواحدة، بحثوا عن الصلة والمناسبة بين سور القرآن عامة. وهذه قضايا بمجموعها نادرا ما تجد تفسيرا قد خلا عن طرف منها، ونادرا ما تجد مفسرا إلا وقد عرج عليها ما بين مكثر ومقل. ويبدو أن بعض الصحابة قد عرج عليها فقد ذكر ابن كثير:«قال الأعمش عن أبي وائل: استخلف علي عبد الله بن عباس على الموسم فخطب الناس فقرأ في خطبته سورة البقرة وفي رواية سورة النور، ففسرها تفسيرا لو سمعته الروم والترك والديلم لأسلموا»، ترى ما هو هذا التفسير الذي فسره ابن عباس حتى لو سمعه هؤلاء لأسلموا إلا أن يكون من جملته ذكر معان دقيقة زائدة على ما يفهم الرجل العادي من مجرد النظرة البادهة لسورة البقرة، ولا شك أن هذا احتمال ولكنه احتمال له حظه من النظر.
ولكن لئن عرج بعض المفسرين على هذا الموضوع، فإن أحدا منهم لم يستوعب القرآن كله بذكر الربط والمناسبة بين الآيات في السورة الواحدة وبين سور القرآن بعضها مع بعض على ضوء نظرية شاملة، وقد بذل حتى الآن الجهد الأكبر في الربط بين الآيات في السورة الواحدة، ولكن النقطة الثانية لم يبذل فيها جهد إلا ضمن حدود ضيقة وكلا الجهدين فاتته إلى حد كبير بعض أسرار الوحدة الشاملة. ولقد حاولت في هذا التفسير أن أسد هذه الثغرة مع اعتقادي أن أسرار الوحدة القرآنية لا يحاط بها، ولكن وإذ أصبح الكلام عن هذا الموضوع مطلبا خاصا وعاما حتى جعلها بعض المستشرقين مدخلا يلج من خلاله إلى تشكيك المسلمين أو اتهام القرآن أو اتهام علماء المسلمين بالقصور، إذ أصبح الأمر كذلك فقد أصبحت على يقين من أن هذا الموضوع لا بد من تغطيته، وسيرى قارئ هذا التفسير أنني بفضل الله غطيت هذا الموضوع تغطية تامة، وسيرى قارئ هذا التفسير صحة سيرنا في هذه التغطية كلما قرأ صفحة جديدة من صفحات هذا التفسير.