المعاني في سورة البقرة، وأن لكل سورة منها محورا موجودا في سورة البقرة
هذه الملاحظة وقعت في قلبي منذ الصغر وسجلتها في كتاب (الرسول) صلى الله عليه وسلم في فصل المعجزة القرآنية، ورأيتني بعد استعراضات كثيرة لكتاب الله قد عثرت فعلا على مفتاح من مفاتيح الوحدة القرآنية، وتفتحت لدي من آفاق الفهم معان كثيرة بخصوص السياق العام للقرآن والسياق الخاص داخل السورة الواحدة. وكلما سرت في عرض القرآن الكريم تبين لي من الأدلة على سلامة سيري الكثير الكثير. وليست هذه المقدمة هي محل عرض هذا الاتجاه في موضوع فهم الوحدة القرآنية، ولكنها نموذج على عملي في التفسير أكملت فيه بناء أو حققت فيه أملا، فلقد دندن علماؤنا حول هذا الموضوع ولم يستوعبوه، واستوعبته بفضل الله، وأشاروا إليه ولم يفصلوا فيه، ولقد فصلت فيه تفصيلا استوعب الآيات في السورة الواحدة والسور في القرآن كله على ضوء نظرية شاملة أثبت البحث صحتها، وهي تعطي الجواب على كثير من الأمور مما له صلة بوحدة السورة، ووحدة المجموعة القرآنية، ووحدة القسم القرآني، ثم في الوحدة القرآنية كلها. وبدون هذه النظرية فإن كثيرا من الصلات التي تحدث عنها المتحدثون، إنما تتحقق بنوع من الاستكراه. ولئن توسعت في هذا الشأن بما لم يتوسع به أحد، فلأنه كما ذكرت احتياج عصر وضرورته، أما الماضون فلم يكونوا يستشعرون ضرورته، فاكتفوا بالتلميح إليه مع اعتقادهم أنه موجود. قال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره لسورة البقرة ما نصه:
«ومن تأمل في لطائف نظم هذه السورة وفي بدائع ترتيبها علم أن القرآن كما أنه معجز بحسب فصاحة ألفاظه وشرف معانيه، فهو أيضا بسبب ترتيبه ونظم آياته. ولعل الذين قالوا: إنه معجز بسبب أسلوبه أرادوا ذلك، إلا أني رأيت جمهور المفسرين معرضين عن هذه اللطائف غير منتبهين لهذه الأسرار. وليس الأمر في هذا الباب إلا
كما قيل:
والنجم تستصغر الأبصار رؤيته ... والذنب للطرف لا للنجم في الصغر»
ا. هـ وقال الشيخ ولي الدين الملوي: «وقد وهم من قال: لا يطلب للآي الكريمة مناسبة لأنها على حسب الوقائع المفرقة، وفصل الخطاب: أنها على حسب الوقائع تنزيلا، وعلى حسب الحكمة ترتيبا وتأصيلا، فالمصحف على وفق ما في اللوح المحفوظ مرتبة سوره كلها وآياته بالتوقيف، كما أنزل جملة إلى بيت العزة، ومن المعجز البين أسلوبه ونظمه الباهر، والذي ينبغي في كل آية أن يبحث أول كل شئ عن كونها مكملة لما