للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العرض نحب أن نذكر أن هناك خلافا بين المفسرين حول التاريخ الذي وجد فيه أهل الكهف. قال ابن كثير: وقد ذكر أنهم كانوا على دين المسيح عيسى بن مريم، فالله أعلم، والظاهر أنهم كانوا قبل ملة النصرانية بالكلية. فإنهم لو كانوا على دين النصرانية لما اعتنى أحبار اليهود بحفظ خبرهم وأمرهم؛ لمباينتهم لهم، وقد تقدم عن ابن عباس أن قريشا بعثوا إلى أحبار اليهود بالمدينة، يطلبون منهم أشياء يمتحنون بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

فبعثوا إليهم أن يسألوه عن خبر هؤلاء، وعن خبر ذي القرنين، وعن الروح. فدلّ هذا على أن هذا أمر محفوظ في كتب أهل الكتاب، وأنه متقدم على دين النصرانية. والله أعلم. أقول: لقد رأينا ما يمكن أن يقال على رواية ابن إسحاق التي لا تعتبر حجة قاطعة في هذا المقام: إن قصة أهل الكهف مشهورة عالميا، وليس من السهل تحديد الزمان والمكان اللذين كانوا فيه، وكل ما يقال في هذه الأشياء لا يمكن اعتباره نهائيا. فالقرآن لم يفصّل، والسنّة لم تفصّل، وغير ذلك لا تقوم به الحجة. وابن كثير يقرّر هذا المعنى في أكثر من مكان وأنا لا أستبعد أن تكون قصة أصحاب الكهف سابقة على عهد المسيح عليه السلام، ولكن النّصارى أخذوها ونسبوها إلى أنفسهم، فليس هناك من شئ قطعي في هذا الشأن إلا روايات، الله أعلم بصدقها، والاحتمالان واردان.

نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ أي بالصدق إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ أي شباب آمَنُوا بِرَبِّهِمْ أي اعترفوا له بالوحدانية، وشهدوا أنه لا إله إلا هو وَزِدْناهُمْ هُدىً أي يقينا.

أخبرنا الله في بداية القصة أنهم شباب، والشباب أقبل للحق وأهدى للسبيل من الشيوخ الذين قد عتوا وانغمسوا في الدين الباطل، ولهذا كان أكثر المستجيبين لله تعالى ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم شبابا، وأما المشايخ من قريش فعامتهم بقوا على دينهم، ولم يسلم منهم إلا القليل. وفي هذا درس للدعاة

وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أي وقويناها بالصبر على هجران الأوطان، والفرار بالدين إلى بعض الغيران، وجسّرناهم على القيام بكلمة الحق والتظاهر بالإسلام إِذْ قامُوا هل المراد به قيامهم في موقف أمام ملكهم معلنين، أو مجرد قولهم هذا يعتبر قياما؟ يحتمل هذا وهذا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً أي لا يقع منا أن نسمي غيره ربا وإلها أبدا لَقَدْ قُلْنا إِذاً إن سميناهم آلهة وأربابا شَطَطاً أي باطلا وبهتانا، أو قولا ذا شطط: وهو الانخراط في الظلم والإبعاد فيه، دلّت الآيتان على أن الإنسان إذا صدق في الطلب في بدايته أعطاه الله الهداية وربط على قلبه. وفي هذا درس لكل من يريد الدخول في الإسلام، أن عليه أن يصدق مع الله في الدخول، وهذا من جملة الدروس التي نفهم

<<  <  ج: ص:  >  >>