للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعداء الله ليسوا على شئ مهما علا سلطانهم وامتد بغيهم، هذا في الدنيا، وما عند الله أشد. وفي الحديث: «ما من إمام يموت- يوم يموت- وهو غاش لرعيته إلا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام» ولننتقل إلى الجولة الثانية في قصة مؤمن آل فرعون وهي المجموعة الرابعة من الفقرة الأولى في المقطع ..

[تفسير المجموعة الرابعة من الفقرة الأولى]

وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ لا كما كذب فرعون عند ما قال: وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ. والرشاد هو: نقيض الغي: وفي قول مؤمن آل فرعون تعريض شبيه بالتصريح، أن ما عليه فرعون وقومه سبيل الغيّ. وبعد أن أجمل في دعوته فسّر، فافتتح بذم الدنيا فزهّدهم فيها، وهي التي قد آثروها على الأخرى، وصدّتهم عن التصديق برسول الله موسى عليه السلام، وفي ذلك إشارة إلى أن بداية الرشاد وطريقه هو الزهد في الدنيا

يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ أي قليلة زائلة فانية عن قريب تذهب وتضمحل، والمتاع هو ما فيه تمتيع يسير، فالإخلاد إلى الدنيا أصل الشر، ومنبع الفتن. وبعد أن حقّر الدنيا ثنى بتعظيم الآخرة، وبيّن أنّها هي الوطن والمستقر فقال: وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ أي: الدار التي لا زوال لها، ولا انتقال منها، ولا ظعن عنها إلى غيرها، بل إما نعيم وإما جحيم.

ومن ثم عقّب بذكر الأعمال سيئها وحسنها، وعاقبة كل منها، ليثبّط عما يتلف، وينشّط لما يزلف فقال: مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ هذا هو الشرط فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ أي لا يتقدّر بجزاء بل يثيبه الله عزّ وجل ثوابا كثيرا لا انقضاء له ولا نفاد.

ثم وازن بين الدعوتين: دعوته إلى دين الله الذي ثمرته الجنات، ودعوتهم إلى اتخاذ الأنداد الذي عاقبته النار. فقال: وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وهي عبادة الله وحده لا شريك له وتصديق رسوله صلّى الله عليه وسلم الذي بعثه والتي مآلها الجنة وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ

ثم بيّن ما يدعونه إليه تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ أي: أجحده وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ أي: ما ليس لي بربوبيته وألوهيته علم، أي: ما لا يقوم الدليل والبرهان على صحة ألوهيته وربوبيته وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الذي لا أعظم من عزته، والذي هو مع عزته الْغَفَّارِ يغفر ذنب من تاب إليه

لا جَرَمَ أي: حقا أو لا كذب

<<  <  ج: ص:  >  >>