للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخالق لما ذكر فهذا يقتضي إيمانا بالبعث، والسّياق أشعرنا أنّ الكافرين لا يعطون هذا اللازم حقه، ومن ثمّ أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلم أن يوجه لهم هذا السؤال ليقيم عليهم الحجة من خلاله، ومن هذا نفهم أنّ الذي لا يؤمن باليوم الآخر ليس مؤمنا بالله أصلا، ومن ثمّ ندرك كيف أن السورة مع أنها تصبّ في سياقها الرئيسي في موضوع التوحيد فهي تتعرض لموضوع اليوم الآخر، وغيره من المواضيع الإيمانية، وما ذلك إلا لأن التوحيد الكامل يدخل فيه موضوع الإيمان باليوم الآخر والرسل، فمن لا يؤمن باليوم الآخر يتصوّر أن هذا الكون خلقه الله سدى وعبثا، ومن لم يؤمن بالرسل يتصور أن الله عزّ وجل يهمل ويترك عباده بلا هداية، وكل ذلك يتنافى مع التصور الصحيح لموضوع الألوهية، وبالتالي فهو يتنافى مع التوحيد الحق الخالص، ولنمض في التفسير:

...

بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ قال ابن كثير: (أي: بل عجبت يا محمد من تكذيب هؤلاء المنكرين للبعث، وأنت موقن مصدّق بما أخبر الله تعالى من الأمر العجيب، وهو إعادة الأجسام بعد فنائها، وهم بخلاف أمرك من شدة تكذيبهم يسخرون ممّا تقول لهم من ذلك) أي أنت تعجب من تكذيبهم لأن الأمر في غاية الوضوح عندك، وهم يسخرون منك، ومن تعجبك فالبعد بين الموقفين واضح، كالبعد بين الموقف العقلي الحاسم الجازم، والموقف النفسي الهازل

وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ أي ودأبهم إذا وعظوا لا يتعظون، فهم مع موقفهم الهازل الساخر المكذّب ليس عندهم استعداد للسماع ولا للتذكّر

وَإِذا رَأَوْا آيَةً أي معجزة، أو دلالة واضحة على صدق ما جئت به يَسْتَسْخِرُونَ أي يبالغون في الاستهزاء منها، أو يستدعي بعضهم بعضا أن يسخر منها، فلا الآيات تنفع لهم، ولا التذكير ينفع بهم، ولا عقل يخضعون لحكمه، وأبشع من هذا كله أنهم يعتبرون الحقّ القطعي سحرا

وَقالُوا إِنْ أي ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ أي ظاهر وما هو الذي سمّوه سحرا؟ إنّه البعث

أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ يتساءلون سؤال إنكار، أنبعث إذا كنا ترابا وعظاما؟

أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ أي أيبعث أيضا آباؤنا الأقدمون، ويعنون أنهم أقدم، فبعثهم أبعد وأبطل، وهكذا عرفنا لم أمر الله عزّ وجل رسوله صلّى الله عليه وسلم أن يستفتي هؤلاء الكافرين الاستفتاء السابق، ويوجّه لهم ذلك السؤال، عرفنا أن ذلك من أجل هذا الموقف الذي وضّحه السياق فيما بعد، وإنّما أخّره ليربط

<<  <  ج: ص:  >  >>