ما يستحب له دينه على الآباء والأبناء والأموال والحظوظ» وهكذا ذكرت هاتان الآيتان قضيتين رئيسيتين لا بد منهما لإقامة القتال الإسلامي:
١ - أنه لا ولاء للكافرين. ٢ - وأن حب الله ورسوله والجهاد يجب أن يكون في قلب المسلم أكثر من كل شئ، ومن لم يتحقق بهذا وهذا فإن روح الجهاد في قلبه لا بد أن تكون ميتة،
ثم تأتي بعد ذلك القضية الثالثة التي لا بد منها لإقامة القتال الإسلامي وهي: التوكل على الله والاعتماد عليه وحده: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ كوقعة بدر، وقريظة، والنضير، وخيبر، وفتح مكة، ومواطن الحرب: مقاماتها ومواقفها وَيَوْمَ حُنَيْنٍ حنين: واد بين مكة والطائف، كانت فيه الوقعة بين المسلمين، وكانوا اثني عشر ألفا، وبين هوازن وثقيف وهم أربعة آلاف والتقدير:
واذكروا يوم حنين إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فقال قائلكم لن نغلب اليوم من قلة فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ أي كثرتكم شَيْئاً فهربتم ولم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفر قليل وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ أي مع رحبها أي على سعتها أي: لم تجدوا موضعا لفراركم عن أعدائكم فكأنها ضاقت عليكم ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ أي منهزمين وما ذاك إلا عقوبة لهم على غفلتهم عن أن الله هو الناصر لا كثرة الجنود
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ أي رحمته التي سكنوا بها وأمنوا عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها أي الملائكة وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا بالقتل والأسر وسبي النساء والذراري وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ القتل والأسر، وسبي الذرية والنساء وأخذ الأموال
ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ بأن يلهمهم الدخول في الإسلام فيسلموا ويتوب عليهم وَاللَّهُ غَفُورٌ إذ يستر بالإسلام ما سبق من كفر رَحِيمٌ إذ ينصر أولياءه على أعدائه. وبهذا ينتهي المقطع الثاني وقد تقرر فيه:
أن لا ولاء للكافرين، وأن المحبة لله والرسول والجهاد يجب أن تفوق كل محبة، وأن النصر من الله لا بالكثرة، وأن الاعتماد يجب أن يكون على الله لا على عدد وعدة. ولقد جاء هذا المقطع بين مقطعين: كل منهما يأمر بالقتال، المقطع الأول أمر بقتال المشركين، والمقطع الثالث وفيه أوامر بقتال الكافرين من مشركين ويهود ونصارى، فكأن هذا المقطع بين المقطعين يذكرنا بالمعاني التي لا بد منها لإقامة القتال وهي المعاني الثلاثة التي ذكرها المقطع الثاني.