هذا أي يقال لأهل النار على سبيل التقريع والتوبيخ: ذوقوا هذا العذاب بسبب تكذيبكم به، واستبعادكم وقوعه، وتناسيكم له، إذ عاملتموه معاملة من هو ناس له إِنَّا نَسِيناكُمْ أي تركناكم في العذاب كالمنسي. قال ابن كثير:(أي سنعاملكم معاملة النّاسي لأنه تعالى لا ينسى شيئا ولا يضل عنه شئ، بل من باب المقابلة) وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ أي العذاب الدائم الذي لا انقطاع له بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ من الكفر والمعاصي، أي بسبب كفركم وتكذيبكم. وبعد أن بيّن الله عزّ وجل حال الكافرين ومآلهم يذكر الآن علامة الإيمان بالقرآن مما يشير إلى أن من ذكر سابقا ليسوا مؤمنين بالقرآن. فالسياق إذن سائر على نسق واحد هو تبيان قضية نفي الريب في القرآن وتعميق الإيمان.
إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا أي يصدّق بها ولا يرتاب الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها أي وعظوا بها خَرُّوا سُجَّداً أي سجدوا لله تواضعا وخشوعا وشكرا على ما رزقهم من الإسلام. قال ابن كثير: أي استمعوا لها وأطاعوها قولا وفعلا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ أي ونزّهوا الله عما لا يليق به وأثنوا عليه حامدين له وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ عن الإيمان والسجود واتّباع آيات الله والانقياد لها فهم لا يستكبرون كما يفعل الجهلة من الكفرة الفجرة، قال الألوسي: قال أبو حبان:
(هذه السجدة من عزائم سجود القرآن)
تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ أي ترتفع وتتنحّى عن الفرش ومضاجع النوم. قال ابن كثير: يعني بذلك قيام الليل، وترك النوم، والاضطجاع على الفرش الوطيئة. يَدْعُونَ رَبَّهُمْ أي داعين ربهم عابدين له خَوْفاً وَطَمَعاً أي لأجل خوفهم من سخطه وطمعهم في رحمته وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ في طاعة الله تعالى، فيجمعون بين القربات اللازمة والمندوبة
فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ أي لا يعلم أحد ما أعدّ لهؤلاء من الكرامة ممّا تقرّ به أعينهم جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ أي جوزوا جزاء بذلك بسبب ما كانوا يعملونه من الأعمال الصالحة. وبعد أن ذكر الله عزّ وجل علامة الإيمان بالقرآن، قارن بين المؤمنين والكافرين، وحال كلّ، ومآل كلّ،
أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً أي كافرا لا يَسْتَوُونَ أي من كان في نور الطاعة والإيمان لا يستوي مع من هو في ظلمة الكفر والعصيان. قال ابن كثير: يخبر تعالى عن عدله وكرمه أنّه لا يساوي في حكمه يوم القيامة من كان مؤمنا بآياته، متّبعا لرسله