قالَ يا قَوْمِ ناداهم هذا النداء بأن أضافهم إلى نفسه إظهارا للشفقة، وإيذانا بالحرص عليهم، وهذا أول دروس الإنذار إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ أي: مخوف مُبِينٌ أي: أبين لكم رسالة الله بلغة تعرفونها، قال ابن كثير: أي: بين النذارة، ظاهر الأمر واضحه. أقول: وهذا ثاني درس في الإنذار أن يعرف الداعية إلى الله على مهمته وطبيعتها فلا يترك مجالا لأحد يعطي الآخرين تصورا خاطئا عنه،
ثم إن نوحا عليه السلام حدد مضمون دعوته التي إذا قبلوها فقد حققوا الحكمة من إرساله وإنذاره، وتجنبوا سخط الله عليهم في الدنيا والآخرة فقال: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ أي: وحدوه وَاتَّقُوهُ قال ابن كثير: أي: اتركوا محارمه واجتنبوا مآثمه وَأَطِيعُونِ فيما آمركم به وأنهاكم عنه، وهكذا حدد نوح عليه السلام مضمون دعوته: العبادة والتقوى والطاعة، وباجتماعها ينتقل المجتمع من طور إلى طور، وكثير ممن يشتغلون بالدعوة إلى الله يفرطون في التربية على هذه المعاني الثلاثة مجتمعة، فينتج عن ذلك قصور في العبادة أو في التقوى، أو في الطاعة، والملاحظ أن كثيرين من الدعاة في عصرنا يهملون قضية الطاعة، فتبقى طاعة المسلم للكافرين يستخدمونها حتى في تهديم الإسلام، فالدعوة الكاملة، والدعاة الكاملون، هم الذين يربون ويدعون للمعاني الثلاثة مجتمعة، ضمن صيغة قرآنية إسلامية، تجعل واجب الطاعة من الأدنى إلى الأعلى في المجتمع الإسلامي بديهية، وهذا درس ثالث في الإنذار،
ثم بين نوح عليه السلام ما لهم إن فعلوا ذلك فقال: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ أي: إذا فعلتم ما آمركم به