للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنصوص التي ذكرناها بمناسبتها تفيد أن صاحب الذنب مجازى به فإن كان مسلما ففي الدنيا، ويحتمل أن يؤخر إلى الآخرة إذا لم يرد الله له السلامة في الآخرة، وإن كان كافرا فعذابه في الآخرة، وقد يعجل الله له العقوبة في الدنيا زيادة على الآخرة، والله- عزّ وجل- يقول في سورة الشورى وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قال البيضاوي: «والآية مخصوصة بالمجرمين فإن ما أصاب غيرهم فلأسباب أخر، منها تعريضه للأجر العظيم بالصبر عليه» أقول: كلام البيضاوي في التخصيص يظهر في حق الرسل عليهم الصلاة والسلام، فهم معصومون عن الذنب، فالمصيبة في حقهم رفع درجات، أما في غير الرسل عليهم الصلاة والسلام فإن الإنسان لا يخلو من ذنب، وقد يكون ذنبه في تقصيره في حقوق الإسلام، أو في حقوق الغير قال تعالى:

وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً فالأمة بمجموعها قد تصاب بسبب قصور بعضها؛ لأن هناك مسئولية مشتركة بشكل ما بين بني الإنسان، أو بين المسلمين بعضهم مع بعض، فالأصل في المصيبة أن تكون بسبب ذنب، وهي في حق المسلم رحمة من الله- عزّ وجل- به، وهي في حق الكافر سخط من الله وعقوبة عاجلة، وهاهنا قد يلتبس الأمر على كثير من الناس، وأهل البصيرة يعرفون ويميزون، ويدركون الحكمة ويسلمون لله فعله، وإذا أراد عبد السلامة فليقم بحق الله قياما كاملا في أمر نفسه وغيره، وعندئذ يكون الابتلاء في حقه رفع درجات.

وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ الإفتاء: تبيين المبهم، والاستفتاء: السؤال عن حكم الله فيما هو مبهم والمعنى: ويسألونك الإفتاء في النساء قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ أي: الله وكتابه القرآن يفتيكم فيهن، وقوله تعالى: وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ. معناه: والمتلو عليكم في القرآن في حق اليتامى يفتيكم فيهن، وهو إشارة إلى قوله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ... نفهم من هذا أن تلك الآية في أول سورة النساء تفتيكم فيما تسألون عنه، والله يفتيكم فيما يأتي فيما يحتاج إلى تبيان. ويتامى النساء اللاتي ذكرهن الله من قبل وصفهن هنا اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ، وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ. قالت عائشة: هو الرجل تكون عنده اليتيمة، هو وليها ووارثها، فأشركته في ماله حتى في العذق، فيرغب أن ينكحها (أي عن أن ينكحها)، ويكره أن يزوجها رجلا فيشركه في ماله بما شركته فيعضلها، فنزلت هذه الآية رواه البخاري

<<  <  ج: ص:  >  >>