قُلْ ردا عليهم أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ قصدوا بهذا التعبير مذمته عليه الصلاة والسلام، وأنه من أهل سلامة القلوب والغرة، ففسره الله تعالى بما هو مدح وثناء عليه، كأنه قيل نعم هو أذن ولكن نعم الأذن، إذ هو أذن في الحق والخير وفيما يجب سماعه وقبوله، وليس بأذن في غير ذلك. ثم فسر الله تعالى كيف أنه عليه الصلاة والسلام أذن خير فقال: يُؤْمِنُ بِاللَّهِ أي يصدق بالله لما عرفه من عظمته وجلاله وآياته وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ أي ويقبل من المؤمنين الخلص من المهاجرين والأنصار كلامهم والملاحظ أنه قال يُؤْمِنُ بِاللَّهِ فعدى يؤمن هنا بالباء وقال وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ فعدى الفعل يؤمن باللام لأنه ضمن يؤمن الأولى معنى التصديق الذي هو ضد الكفر، وضمن يؤمن الثانية معنى السماع من المؤمنين وأنه يسلم لهم ما يقولونه ويصدقه؛ لكونهم صادقين عنده وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ معطوفة على قوله هُوَ أُذُنٌ أي هو أذن، ورحمة للذين آمنوا منكم، فكما أنه شديد الإصغاء للمؤمنين مع التصديق لهم فهو رحمة خالصة بهم، فبه استنقذهم الله من الكفر إلى الإيمان، وبه طهرهم الله من نجاسة الشرك وأدران الحيوانية وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ في الدارين، دار الدنيا ودار الآخرة.
[فائدة]
إن الإصغاء الشديد من أبرز صفات القادة العظام، والمهذبين الكبار، وقد أبرز ما للإصغاء من أثر عظيم في تأليف القلوب كاتب أمريكي في كتاب صدر تحت عنوان «كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس» ولكن المنافقين عليهم اللعنة يرون الميزة نقيصة، وقد رأينا من الآية كيف أن الله وصف رسوله صلى الله عليه وسلم بالإصغاء الشديد مع الاحتراس، فلا يصدق إلا أهل الإيمان، ووصفه بالرحمة الكاملة لهؤلاء. وعلى الدعاة إلى الله أن يلاحظوا هذين الخلقين،
ثم أكمل الله تصوير الصنف المشار إليه من أهل النفاق فقال:
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ يا مسلمون لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ أي إن كنتم مؤمنين كما تزعمون فأحق من أرضيتم الله ورسوله بالطاعة والوفاق، ولكنهم يجهلون- جهل عمى وعمه- عظمة الله ومقام رسوله؛ فيحرصون على إرضاء المسلمين بالأيمان الكاذبة خداعا لهم
أَلَمْ يَعْلَمُوا أي ألم يتحققوا أَنَّهُ أي أن الأمر والشأن مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أي يشاقق ويحارب ويخالف