ابتلائه- وفق السنة الجارية في أخذ المكذبين بالضراء والسراء قبل أخذهم بالدمار والهلاك- ثم إعطاء الخلافة في الأرض لقوم موسى جزاء على صبرهم واجتيازهم ابتلاء الشدة ... لتعقبها فتنة الرخاء .. ) ..
[المعنى العام]
يخبر تعالى أنه بعد الرسل الذين مر ذكرهم وهم نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب- عليهم السلام- قد أرسل بالمعجزات والحجج الدامغات والدلائل البينات إلى فرعون مصر وقومه في زمنه، فكان موقفهم الجحود لها والكفر بها؛ ظلما منهم وعنادا؛ فأصابهم ما أصاب المفسدين نتيجة لذلك، ومن ثم أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعتبر بهذه العاقبة والنهاية التي كانت لهؤلاء المفسدين، الذين صدوا عن سبيل الله، وكذبوا رسله، فأغرقهم الله عن آخرهم بمرأى من موسى وقومه، وهذا أبلغ في النكال بفرعون وقومه، وأشفى لقلوب أولياء الله.
ومن الآية الأولى التي تنتهي بالأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لأمته بالاعتبار بما كان لفرعون نعلم أن السياق كله من أجلنا، فما يقص الله علينا من قصص في هذه السورة إلا من أجل أن نأخذ عبرة فنزداد تمسكا بالوحي الذي أنزله الله على هذه الأمة.
ومن الآية الأولى في هذا المقطع ندرك محتوى المقطع: إرسال موسى إلى فرعون وقومه، وخلق الآيات الكثيرة على يده، واستكبار فرعون وقومه، واستحقاقهم العذاب بذلك ونزوله بهم، وهذا الذي نرى تفصيله، وأول ما نراه في المقطع ما جرى من حوار بين موسى عليه السلام وفرعون، يعلن موسى لفرعون أنه رسول الله، أرسله رب العالمين خالق كل شئ وربه ومليكه، ومن كان شأنه التبليغ عن الله فإنه حري به وجدير على ألا يقول على الله إلا الحق، ثم أخبره أن معه الحجة القاطعة التي تشهد على أنه رسول الله، وتدل على صدقه فيما جاء به؛ وبناء على ذلك فإنه يطلب منه أن يرسل معه بني إسرائيل مطلقا سراحهم من أسره وقهره، تاركا إياهم ليعبدوا ربهم، وعندئذ أظهر فرعون تشككه وعدم تصديقه ورفضه لما طلب منه؛ وطلب من موسى إن كانت معه حجة أن يظهرها إن كان صادقا فيما ادعى، وعندئذ أظهر موسى معجزتيه الرئيسيتين إلى فرعون: إلقاء العصا فتتحول حية عظيمة بإذن الله، وإخراج يده من ثوبه بعد ما أدخلها فيه فإذا هي بيضاء تتلألأ من غير برص ولا مرض يراها كل من نظر إليها.