أتوهم من كل جانب، وأعملوا معهم كل حيلة، فلم يروا منهم إلا الإعراض، وأنذروهم من وقائع الله فيمن كان قبلهم من الأمم، وأنذروهم عذاب الآخرة أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ وحده قالُوا أي: القوم لَوْ شاءَ رَبُّنا إرسال الرسل لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً أي: لو أرسل الله رسلا لكانوا ملائكة من عنده فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ أي: ما دمتم بشرا ولستم بملائكة. فإنا لا نؤمن بكم وبما جئتم به
فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ أي: عتوا وبغوا وعصوا بِغَيْرِ الْحَقِّ أي: تعظّموا في الأرض على أهلها بما لا يستحقون به التعظيم، وهو القوة وعظمة الإجرام، أو استولوا على الأرض بغير استحقاق للولاية وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً اغتروا بقوتهم الجسدية وتحدّوا بها .. أَوَلَمْ يَرَوْا أي: أو لم يعلموا علما يقوم مقام العيان أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً أي: أوسع منهم قدرة وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ أي:
عاصفة تصرصر. أي: تصوّت في هبوبها، أو ريحا باردة تحرق بشدة بردها، أو ريحا شديدة الهبوب قال ابن كثير: والحق أنها متصفة بجميع ذلك. فإنها كانت ريحا شديدة قوية، لتكون عقوبتهم من جنس ما اغتروا به من قواهم، وكانت باردة شديدة البرد جدا، وكانت ذات صوت مزعج ... فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ أي: في أيام مشئومات عليهم، وقد ذكر الله عزّ وجل عددها في سورة الحاقة لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ أي: الذل فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى أي: أشد خزيا لهم وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ أي: في الأخرى. كما لم ينصروا في الدنيا من قبل شركائهم الذين عبدوهم من دون الله، على رجاء النصر لهم
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ أي: بيّنا لهم الرّشد فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى أي: فاختاروا الكفر على الإيمان فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ أي: الهوان. قال ابن كثير: أي: بعث الله عليهم صيحة ورجفة، وذلا وهوانا، وعذابا ونكالا. بِما كانُوا يَكْسِبُونَ أي: بكسبهم السيّئ وهو التكذيب والجحود والشرك والمعاصي
وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ قال ابن كثير:(أي: من بين أظهرهم لم يمسّهم سوء، ولا نالهم من ذلك ضرر، بل نجّاهم الله تعالى مع نبيّهم صالح عليه الصلاة والسلام. بإيمانهم وبتقواهم لله عزّ وجل ... ).