كانت الدنيا همه ونيته وطلبته جازاه الله بحسناته في الدنيا، ثم يفضي إلى الآخرة وليس له حسنة يعطى بها جزاء، وأما المؤمن فيجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة)
أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ والمعنى: أمن كان يريد الحياة الدنيا كمن كان على بينة من ربه، أي لا يستوون معهم في المنزلة ولا يقاربونهم، يعني: أن بين الفريقين تباينا بينا، ومعنى قوله تعالى: عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ أي على برهان من الله وبيان أن دين الإسلام حق، وهو دليل العقل وأصل الفطرة وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ أي وجاءه شاهد من الله، وهو ما أوحاه إلى الأنبياء من الشرائع المطهرة المكملة المنظمة المختتمة بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام، التي جاء بها القرآن المعجز. ويمكن أن يكون المعنى:
أفمن كان على برهان من ربه- وهو دليل العقل- ويتلوه شاهد يشهد بصحته وهو القرآن من الله وَمِنْ قَبْلِهِ أي ومن قبل القرآن كِتابُ مُوسى وهو التوراة أي ويتلو ذلك البرهان أيضا من قبل القرآن كتاب موسى عليه السلام إِماماً أي كتابا مؤتما به في الدين وقدوة فيه وَرَحْمَةً ونعمة عظيمة على المنزل عليهم أُولئِكَ أي من كان على بينة من ربهم يُؤْمِنُونَ بِهِ أي بالقرآن فلهم الجنة وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ أي بالقرآن مِنَ الْأَحْزابِ أي من الملل كلها فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ أي مصيره ومورده فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ أي في شك مِنْهُ أي من القرآن إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ مع قيام الحجة ووضوح البرهان، وهكذا عرفنا أن هذا الدين يشهد له العقل، ويشهد له إعجاز القرآن، ويشهد له الوحي السابق، ودين هذا شأنه لا يترك الإيمان به إلا متكبر جائر.
[فوائد]
١ - عند قوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ: فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ. وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قال صاحب الظلال:
(ولقد سبق أن تحداهم بسورة واحدة في سورة يونس، فما التحدي بعد ذلك بعشر سور؟
قال المفسرون القدامى: إن التحدي كان على الترتيب: بالقرآن كله، ثم بعشر سور، ثم بسورة واحدة. ولكن هذا الترتيب ليس عليه دليل. بل الظاهر أن سورة يونس سابقة والتحدي فيها بسورة واحدة، وسورة هود لاحقة والتحدي فيها بعشر سور. وحقيقة إن ترتيب الآيات في النزول ليس من الضروري أن يتبع ترتيب السور.