يفلسفون ذلك ويموّهونه، ويحاولون تقريبه إلى الأذهان بضرب الأمثال. ولذلك قال تعالى:
فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ أي إنه يعلم ويشهد أنه لا إله إلا هو، وأنتم بجهلكم تشركون به غيره، ثم ضرب الله مثلين لإبطال شركهم وإقامة الحجة عليهم.
المثل الأول: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ أي مثلكم في إشراككم بالله الأوثان مثل من سوّى بين عبد مملوك عاجز عن التصرّف، وبين حر مالك قد رزقه الله مالا فهو يتصرف فيه وينفق منه ما يشاء، فهل يستوي هذا مع هذا؟ ولما كان الفرق بينهما ظاهرا واضحا بيّنا لا يجهله إلا غبي، قال الله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ بأن الحمد والعبادة لله. قال مجاهد عن هذا المثل: هو مثل مضروب للوثن وللحق تعالى فهل يستوي هذا وهذا؟
المثل الثاني: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ الأبكم: هو الذي ولد أخرس فلا يفهم ولا يفهم وَهُوَ كَلٌّ أي ثقل وعيال وكلفة عَلى مَوْلاهُ أي على من يلي أمره ويعوله أَيْنَما يُوَجِّهْهُ أي يبعثه لا يَأْتِ بِخَيْرٍ فلا تنجح مساعيه، فحيثما يرسله ويصرفه في مطلب أو حاجة أو كفاية مهم لم ينفع ولم يأت بنجاح هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ أي ومن هو سليم الحواس نفّاع ذو كفايات، مع رشد وديانة، فهو يأمر الناس بالعدل والخير وَهُوَ أي في نفسه عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أي على سيرة صالحة ودين قويم، وهذا مثل آخر للوثن وللحق تعالى، يعني: أن الوثن أبكم لا يتكلم ولا ينطق بخير ولا بشيء، ولا يقدر على شئ بالكلية، فلا مقال ولا فعال، وهو مع هذا كلّ على من يتولاه، والله عزّ وجل يفيض على عباده من آثار رحمته، فينزل وحيا ويرسل رسلا، وينزل كتبا تعرّف الناس على العدل الخالص، وله الصفات العليا والأسماء الحسنى، فكيف يشرك المشركون؟ ولمّا كان هذان المثلان قد ذكرا من باب تقريب المعاني إلى الأذهان، وقد يترتب عليه في الأذهان الكليلة تصور لا يليق بالعظمة، أتبع الله ذلك بآية تتحدث عن عظمة الله بما يخلع القلوب
وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي يختص به علم ما غاب فيهما عن العباد وخفي عليهم علمه وَما أَمْرُ السَّاعَةِ في قرب كونها، وسرعة