حقيقة؛ ومن ثم يحاول أن يموه على العين، وأن يبدو عظيما كبيرا ضخما راسخا، ولكنه هش سريع العطب، كشعلة الهشيم ترتفع في الفضاء عاليا ثم تخبو سريعا وتستحيل إلى رماد؛ بينما الجمرة الذاكية تدفئ وتنفع وتبقى؛ وكالزبد يطفو على الماء ولكنه يذهب جفاء ويبقى الماء.
إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً .. لأنه لا يحمل عناصر البقاء في ذاته، إنما يستمد حياته الموقوتة من عوامل خارجية وأسناد غير طبيعية؛ فإذا تخلخلت تلك العوامل، ووهنت هذه الأسناد تهاوى وانهار. فأما الحق فمن ذاته يستمد عناصر وجوده. وقد تقف ضده الأهواء، وتقف ضده الظروف، ويقف ضده السلطان .. ولكن ثباته واطمئنانه يجعل له العقبى ويكفل له البقاء، لأنه من عند الله الذي جعل «الحق» من أسمائه وهو الحي الباقي الذي لا يزول.
إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً .. ومن ورائه الشيطان، ومن ورائه السلطان. ولكن وعد الله أصدق، وسلطان الله أقوى. وما من مؤمن ذاق طعم الإيمان، إلا وذاق معه حلاوة الوعد، وصدق العهد. ومن أوفى بعهده من الله؟ ومن أصدق من الله حديثا؟.»
٢ - وعند قوله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ .. قال صاحب الظلال:
(وفي القرآن شفاء، وفي القرآن رحمة، لمن خالطت قلوبهم بشاشة الإيمان، فأشرقت وتفتحت لتلقي ما في القرآن من روح، وطمأنينة وأمان. في القرآن شفاء من الوسوسة والقلق والحيرة. فهو يصل القلب بالله، فيسكن ويطمئن، ويستشعر الحماية والأمن؛ ويرضى فيستروح الرضى من الله والرضى عن الحياة؛ والقلق مرض، والحيرة نصب، والوسوسة داء. ومن ثم هو رحمة للمؤمنين.
وفي القرآن شفاء من الهوى والدنس والطمع والحسد ونزغات الشيطان .. وهي من آفات القلب تصيبه بالمرض والضعف والتعب، وتدفع به إلى التحطم والبلى والانهيار ومن ثم هو رحمة للمؤمنين.
وفي القرآن شفاء من الاتجاهات المختلفة في الشعور والتفكير. فهو يعصم العقل من الشطط، ويطلق له الحرية في مجالاته المثمرة ويكفه عن إنفاق طاقاته فيما لا يجدي، ويأخذه بمنهج سليم مضبوط، يجعل نشاطه منتجا ومأمونا. ويعصمه من الشطط