وكما رأينا فإن سورة العنكبوت بدأت في الكلام عن علامة الصدق في الإيمان والكذب به فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ وسار السياق ليحدّثنا عن علامات الصدق في الإيمان، مع التبشير لأهل ذلك، وها نحن بعد ذلك قد وصلنا إلى أن يعطينا السياق علامة الإيمان الكاذب، وهو السقوط في الامتحان، وكما بدأ الحديث في مقدمة سورة البقرة عن المنافقين، بقوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ ...
فههنا يبدأ كذلك بقوله: وَمِنَ النَّاسِ ...
....
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ قال النسفي:(أي إذا مسّه أذى من الكفار جزع من ذلك كما يجزع من عذاب الله تعالى). وقال ابن كثير:(إذا جاءتهم محنة وفتنة في الدنيا اعتقدوا أن هذا من نقمة الله تعالى بهم، فارتدوا عن الإسلام). وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أي وإذا نصر الله المؤمنين ومكّنهم وغنّمهم اعترضوهم، وقالوا: إنّا كنّا معكم، أي متابعين لكم في دينكم، ثابتين عليه بثباتكم، فأعطونا نصيبنا من الغنم أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ أي أو ليس الله بأعلم بما في قلوبهم، وما تكنّه ضمائرهم، وإن أظهروا الموافقة؟ أي هو أعلم بما في صدور العالمين، من العالمين بما في صدورهم، ومن ذلك ما في صدور هؤلاء من النفاق، وما في صدور المؤمنين من الإخلاص،
ثم وعد المؤمنين، وأوعد المنافقين بقوله: وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ. قال ابن كثير:(أي وليختبر الله الناس بالضراء والسراء؛ ليتميّز هؤلاء من هؤلاء، من يطيع الله في الضراء والسّراء، ومن يطيعه في حظ نفسه). وقال صاحب الظلال بمناسبة هاتين الآيتين اللتين تتحدّثان عن نموذج من الناس يراه الإنسان
كثيرا:
(ذلك النموذج من الناس، يعلن كلمة الإيمان في الرخاء يحسبها خفيفة الحمل، هينة المئونة، لا تكلف إلا نطقها باللسان، فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ بسبب الكلمة التي قالها وهو آمن معافى جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ فاستقبلها في جزع،