ثم يعود الكلام لمواجهة المشركين: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ... ذكّرهم بما يكون في الساعة، ثمّ أنذرهم أن كيدهم باطل، وأن أعمالهم مكتوبة فلنر الآيات اللاحقة:
أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً أي: أم أحكم المشركون أمرا من كيدهم ومكرهم بمحمد صلّى الله عليه وسلم فَإِنَّا مُبْرِمُونَ كيدنا كما أبرموا كيدهم، قال مجاهد: أرادوا كيد شرّ فكدناهم.
دلّ ذلك على أن المشركين كانوا يتحيّلون في رد الحق بالباطل بحيل ومكر يسلكونه، فكادهم الله تعالى وردّ وبال كيدهم عليهم
أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ أي:
حديث أنفسهم وَنَجْواهُمْ أي: ما يتحدثونه فيما بينهم ويخفونه عن غيرهم؛ إذ يكيدون لمحمد صلّى الله عليه وسلم ويأثمون بَلى أي: نسمعها ونطّلع عليها وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ أي: الحفظة عندهم يَكْتُبُونَ ذلك قال ابن كثير: أي نحن نعلم ما هم عليه والملائكة أيضا يكتبون أعمالهم صغيرها وكبيرها.
[كلمة في السياق]
أنذر الله- في هذا المقطع- الكافرين بالساعة، وحذّرهم أنّ عاقبة مكرهم ضدّ الإسلام عائدة عليهم، وأنهم سيحاسبون على أعمالهم، كما بشر المتقين. ونلاحظ بعد ذلك أن أمرا مباشرا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم يتوجّه. وعند ما ندرس الأمر وندرس ما بعده نجد أنّ له صلة بكل ما مرّ من السّورة. فكأن ما بقي من السورة هو خاتمتها التي تضئ على ما قبلها والتي هي محصلة لها، فقد رأينا أن السورة حدّثتنا عن كون المشركين يعتبرون أن الملائكة بنات الله، كما ورد في المقطع الأول، ورأينا أن المقطع الثاني حدثنا عن عبودية المسيح لله، ورأينا أن المقطع الثالث حدثنا عن اختلاف النصارى في شأن المسيح، وقد بيّن الله عزّ وجل الحق في هذه الشئون كلها. والآن يأمر الله عزّ وجل رسوله صلّى الله عليه وسلم أن يعلن:
قُلْ يا محمد إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ قال ابن كثير: أي لو فرض هذا لعبدته على ذلك لأني عبد من عبيد الله، مطيع لجميع ما يأمرني به، ليس