للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإجلال محله، والإيذان بأن أشرف ما أوتي خليل الله من الكرامة اتباع رسولنا ملته.

وإذن فالنموذج للمسلم الكامل إبراهيم عليه السلام، وبعثة رسولنا عليه الصلاة والسلام إنما هي تجديد لدين إبراهيم، وإحياء له في التوحيد والقدوة، ولما كان عند اليهود (عقدة السبت) لدرجة أنهم يرفضون أي دين لا يعظم السبت، ويعتبرون عدم تعظيم السبت علامة على بطلان أي دين، بيّن الله عزّ وجل في هذا المقام هذا الموضوع، واختيار هذا المقام لتبيان هذا الموضوع؛ لأن إبراهيم لم يكن جزءا من عمله تعظيم السبت، ولأن هذا المثال نموذج على ما يمكن أن يجادل فيه بعض الخلق، والأمر اللاحق هو توجيه حول قضية الدعوة والجدال فيها. فمجيء هذا الموضوع في هذا المقام مفهوم الحكمة، وهو بيان لموقف الإسلام من السبت. فليس السبت جزءا من إسلامنا، ولا من شريعتنا، ولا مما أمر الله به أمتنا.

إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ أي فرض عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ أي على اليهود، وهل اختلافهم فيه سابق على فرضيته أو بعد فرضيته بأن حفظه بعضهم وضيعه آخرون، أو الاختلاف فيه هو بعد بعثة المسيح عليه السلام؟ أقوال، وفي كل الأحوال يكون المعنى إنما فرض السبت على بني إسرائيل، ويدخل فيه أن بعضهم عظمه وبعضهم لم يعظّمه، كما فعلت القرية التي مسخ الله قسما من أهلها. ويمكن أن يكون المراد- والله أعلم- أن الله ألزمهم بيوم يعظمون الله فيه، واختار لهم الجمعة دون إلزام، فطرح بعضهم فكرة السبت، فرفضها قوم وقبلها آخرون، فألزمهم الله إياها، وسنتعرض للموضوع في الفوائد وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إن كان في التعظيم وعدمه، فيكون المعنى: وهو يحكم بينهم يوم القيامة، فيجازي كل واحد من الفريقين بما هو أهله، وإن كان في اليوم المفضّل فإن المعنى: أن الله سيبين للجميع أن اليوم المفضّل عنده هو الجمعة.

ثم يتوجه الخطاب إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم وارث ملة إبراهيم عليه السلام. الداعية إلى الإسلام، وهو خطاب لكل فرد من أمته يعلّمه كيفية الدعوة إلى الإسلام: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ قال النسفي: إلى الإسلام بِالْحِكْمَةِ أي بالمقالة الصحيحة المحكمة، وهو الدليل الموضح للحق، المزيل للشبهة، أو بالخطاب المناسب لكل إنسان بحسبه وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ قال ابن كثير:

أي بما فيه (أي القرآن) من الزواجر والوقائع بالناس، وذكّرهم بها ليحذروا بأس الله.

وقال النسفي في تفسير الموعظة الحسنة: وهي التي لا يخفى عليهم أنك تناصحهم بها، وتقصد ما ينفعهم فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>