للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرحمة بالنّاس. وقد علم أن رحمة ربه وسعت كل شئ. وأن المؤمنين مأمورون أن يتخلقوا بأخلاق الله؛ وأن الإنسان لا يبلغ تمام إنسانيته إلا حين يرحم كل حي؛ تخلقا بخلق الله سبحانه. وكان تعليمه لهم بالطريقة الموحية التي عهدناها:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بينما رجل يمشي بطريق اشتدّ عليه العطش، فوجد بئرا، فنزل فيها فشرب، ثم خرج، وإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش. فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء، ثم أمسكه بفيه حتى رقى، فسقى الكلب؛ فشكر الله تعالى له فغفر له». قالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم لأجرا قال: «في كل كبد رطبة أجر» ... (أخرجه مالك والشيخان).

وفي أخرى: أن امرأة بغيّا رأت كلبا في يوم حار يطيف ببئر قد أدلع (أي أخرج) لسانه من العطش فنزعت له موقها (أي خفها) فغفر لها به.

وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبيه رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر. فرأينا حمرة (طائر) معها فرخان لها، فأخذناهما فجاءت الحمرة تعرّش (أو تفرش) - (أي ترخي جناحيها وتدنو من الأرض) فلما جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:

«من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها». ورأى قرية نمل قد أحرقناها فقال: من أحرق هذه؟ قلنا: نحن. قال: إنه لا ينبغي أن يعذّب بالنار إلا رب النار» .. أخرجه أبو داود.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قرصت نملة نبيا من الأنبياء فأمر بقرية النمل فحرقت. فأوحى الله تعالى إليه: أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح؟» ... (أخرجه الشيخان)

وهكذا علّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أصحابه هدي القرآن. ليتذوقوا رحمة الله من خلال مزاولتهم للرحمة .. إنهم إنما يتراحمون برحمة واحدة من رحمات الله الكثيرة؟!».

[ولنعد إلى السياق والعرض]

كعلاج وحوار وإقامة حجة تأتى المجموعة الثانية في المقطع، وقد جاء في آيتها الأولى أمر بالسير والاعتبار بمصارع الكافرين، وفي الآيتين الثانية والثالثة لفت نظر إلى مالكية الله

<<  <  ج: ص:  >  >>