فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ .. فهم لم يكونوا ينكرون وجود الله، أو ينكرون يده في هذه الشئون الكبار. ولكن انحراف الفطرة كان يقودهم مع هذا الاعتراف إلى الشرك بالله، فيتوجهون بالشعائر إلى سواه، كما يتبعون شرائع لم يأذن بها الله.
فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ؟ .. أفلا تخشون الله الذي يرزقكم من السماء والأرض، والذي يملك السمع والأبصار، والذي يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي، والذي يدبر الأمر كله في هذا وفي سواه؟ إن الذي يملك هذا كله لهو الله، وهو الرب الحق دون سواه: فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ. اهـ)
.......
فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ أي لا واسطة بين الحق والضلال، فمن تخطى الحقوق وقع في الضلال، فالله الحق وكل معبود سواه باطل، ورسوله الحق فكل ما يناقض ذلك باطل. ووحيه الحق فكل ما خالفه باطل، والعبودية له هي الحق فكل عبودية لغيره باطلة فَأَنَّى تُصْرَفُونَ عن الحق إلى الضلال والباطل، عن التوحيد إلى الشرك، عن اتباع الرسول إلى اتباع الشيطان، عن اتباع الوحي إلى اتباع الهوى
كَذلِكَ أي مثل ذلك الحق أو كصرف هؤلاء عن الحق حَقَّتْ أي وجبت وثبتت كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أي على الذين تمردوا في كفرهم وخرجوا إلى الحد الأقصى فيه أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ هذي هي كلمة الله الأزلية أن الفاسق لا يستأهل الهداية، ولا يهديه الله، فكما حقت على هؤلاء كلمة الله أنهم لا يؤمنون بسبب من تعنتهم وإصرارهم على محاربة الحق، فكذلك حقت كلمة الله على كل فاسق أن لا يؤمن. نسأل الله العافية. وإذن فهؤلاء المشركون لا يؤمنون بالرسول والوحي لفسوقهم. إن عقوبة الفسوق أن لا يهدي الله صاحبه إلى الإيمان مع قيام الحجج فيه. فمن أراد الإيمان فعليه أن يطهر نفسه من الفسوق بترك مظهره الأول وهو الكبر.
وبعد أن أقام الله تعالى الحجة على ربوبيته من خلال الكلام عن ألوهيته يقيم الحجة الآن على المشركين من خلال عجز شركائهم قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ يعيد الليل بعد النهار، ويعيد الجيل بعد الجيل، أو يبدأ خلق السموات ثم يعيد خلقها مرة أخرى. أو يبدأ خلق الإنسان والحيوان ثم يعيده يوم القيامة، ومع أنهم غير مقرين بالإعادة يوم القيامة، إلا أنها لظهور برهانها جعلت كأنها أمر مسلم قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لم يقل فسيقولون الله بل قال لرسوله: قل الله لأنهم لا تدعهم