ولهذا جاء في الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أهل عليين ليراهم من أسفل منهم كما ترون الكوكب الغابر في أفق من آفاق السماء» قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا ينالها غيرهم فقال: «بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين». وفي الحديث الآخر الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن ... عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أهل الجنة ليتراءون أهل الدرجات العلى كما تراءون الكوكب الغابر في أفق السماء. وإن أبا بكر وعمر منهما»
٨ - من المهم جدا فقه قضية الأنفال والغنائم في القتال، وقضية التربية الإيمانية، إن فقه الغنائم وفقه التصرف فيها، والترغيب في الجهاد من خلالها، قضية مهمة في عملية الجهاد واستمراريته. فالجهاد والتفرغ له، والاستمرارية فيه، يحتاج إلى مال. وفقه الأمير، والقائد، والإمام للحدود المستطاعة له، والتي يستطيع على ضوئها أن يتصرف في أموال الكافرين شئ رئيسى لاستمرار عملية الجهاد، كما أن التربية الإيمانية العالية هي الطريق الوحيد للقدرة على الجهاد وتحمل تبعاته، واستسهال آثاره، واحتسابه. ومن ثم نلاحظ أن هذه السورة- وهي سورة الجهاد- حوت مقدمتها هاتين القضيتين كما حوت غيرهما مما يحتاجه الجهاد في سبيل الله
[كلمة في السياق]
لاحظنا أن سورة الأنفال تأتي تفصيلا لقوله تعالى في سورة البقرة: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ* يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ ... فكما جاءت بعد آية فريضة القتال سؤال حول موضوع من مواضيع القتال فإن سورة الأنفال بدأت هذه البداءة التي رأيناها في ذكر مجموعة قضايا رئيسية لها علاقة في القتال، فإذا ما استقرت هذه القضايا الرئيسية فإنه يأتينا الآن مقطع. هذا المقطع يعطينا نموذجا
عمليا واقعيا لكراهة المؤمنين للقتال، وكيف أن الخير كان فيه، ومن تأمل هذا المقطع أدرك إدراكا تاما صلة سورة الأنفال بمحورها الذي ذكرناه من سورة البقرة. واستأنس بهذا على صحة ما ذهبنا إليه في موضوع الوحدة القرآنية: التي لا ندرك منها إلا القليل، ولكنه قليل كاف ليرى الإنسان آيات الله في هذا القرآن، بما يشبه آيات الله في هذا الكون من حيث إن آيات الله في هذا الكون تربط بينها وحدة كبرى وارتباط واضح.
يدرك أبعاده العلماء على قدر علومهم. وهكذا كتاب الله ولله المثل الأعلى ولكتابه