مكابرتهم أن ينطقوا بكلمة الحق هذه؛ فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن ينوب عنهم في الجواب، وإلا فالمفروض أن يجيبوا هم بالإيجاب؛ فهم يقرون أن الله بدأ الخلق، ومن ثم فمن بدأ الخلق ينبغي أن يقر له بأنه قادر على إعادته، ومن كان كذلك فينبغي أن يسلم له ويخضع فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ أي فكيف تصرفون عن طريق الرشد إلى الباطل، وبعد أن أقام الحجة على أن اليوم الآخر كائن، فإنه في الآية اللاحقة يقيم الحجة على هدايته ووحيه وقرآنه وهو الموضوع الرئيسي في السياق
قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أي يرشد إليه؟ الجواب لا قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أولا: بما ركب في المكلفين من العقول وأعطاهم من التمكين للنظر في الأدلة التي نصبها لهم، وثانيا بإرسال الرسل وإنزال الشرائع وثالثا: بما يوفق ويلهم لاتباع الشرائع والرسل أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى أي أمن لا يهتدي إلا أن يهدى؟ فمعنى النص كله: من الجدير بالاتباع الهادى أم العاجز عن الهداية لغيره، المحتاج إلى الهداية بنفسه؟ فإذا كان الجدير بالاتباع هو الهادي فمن أكثر هداية من الله الذي ليس من هاد غيره، فإذا هو الهادي وحده فكيف تتعجبون أن ينزل الله وحيا، ويرسل رسولا ليهديكم، أم كيف تتركون هدايته فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أي فما بالكم تصدرون مثل هذه الأحكام الفاسدة إذ تسوون بين الله وخلقه فتقيسون الله على أصنامكم، فكما أن أصنامكم لا تهدي تظنون أن الله لا يهدي، فتستغربون أن يرسل رسولا، وينزل وحيا يهدي به الله من شاء. هلا رجعتم إلى صوابكم، فاهتديتم بنور الله، وتركتم ما أنتم فيه من أوهام وضلالات.
ومن ثم قال:
وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ أي كلهم إِلَّا ظَنًّا أي توهما وتخيلا، فلا دليل عندهم ولا برهان إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً فيما المطلوب فيه العلم. أي لا يغني من العلم أي إغناء، فلا قيمة له في هذا المقام إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ من اتباع الظن وترك الحق، وهو تهديد ووعيد شديد على اتباعهم الظن وتركهم هداية الله العظيمة المتمثلة في القرآن.
وفي هذه الآية قال الألوسي: (أي ما يتبع أكثرهم في معتقداتهم ومحاوراتهم إلا ظنا واهيا مستندا إلى خيالات فارغة وأقيسة باطلة، كقياس الغائب على الشاهد، وقياس الخالق على المخلوق، بأدنى مشاركة موهومة، ولا يلتفتون إلى فرد من أفراد العلم، فضلا عن أن يسلكوا مسالك الأدلة الصحيحة الهادية إلى الحق فيفهموا ويقفوا على صحتها وبطلان ما يخالفها، فالمراد بالاتباع: مطلق الانقياد الشامل لما يقارن القبول والانقياد وما لا يقارنه، وبالقصر ما أشير إليه من أن لا يكون لهم في أثنائه اتباع لفرد من أفراد العلم والتفات إليه.