وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ أي: الظلم هُمْ يَنْتَصِرُونَ قال ابن كثير: أي فيهم قوة الانتصار ممّن ظلمهم واعتدى عليهم، ليسوا بالعاجزين ولا الأذلين، بل يقدرون على الانتقام ممّن بغى عليهم، وإن كانوا مع هذا إذا قدروا واعفوا. أقول: إلا إذا كان الحزم أو العلم أو الحكم عدم العفو، وقال النسفي:
أي هم ينتقمون ممن ظلمهم، أي: يقتصرون في الانتصار على ما جعله الله تعالى لهم، ولا يعتدون، وكانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفساق. وإنما حمدوا على الانتصار؛ لأن من انتصر وأخذ حقه ولم يجاوز في ذلك حد الله فلم يسرف في القتل- إن كان ولي دم- فهو مطيع لله وكل مطيع محمود.
ثمّ بيّن تعالى حدّ الانتصار فقال وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها أي: يجب إذا قوبلت الإساءة أن تقابل بمثلها من غير زيادة فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ أي: لا يضيع ذلك عنده كما صحّ ذلك في الحديث «وما زاد الله تعالى عبدا بعفو إلا عزّا» وهذا في الخصومات الشخصية بين مسلم ومسلم أو مسلم ومعاهد إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ أي: المعتدين وهم المبتدءون بالسيئة، وفسّر النسفي الظالمين هنا بقوله: الذين يبدءون الظلم، أو الذين يجاوزون حدّ الانتصار.
وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ أي: ليس عليهم جناح في الانتصار ممّن ظلمهم، أي: ولمن أخذ حقه بعد ما ظلم فهؤلاء ما عليهم من سبيل للمعاقب، ولا للمعاتب، ولا للمعايب. قال النسفي:
وفسّر السبيل بالتبعة والحجة.
إِنَّمَا السَّبِيلُ أي: إنما الحرج والعنت والعيب والعقاب والعتاب عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ أي: يبتدءونهم بالظلم وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أي: يتكبرون فيها ويعلون ويفسدون بالباطل أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ أي: شديد موجع يوم القيامة، وقد فهم من الآيتين الأخيرتين ضمنا أن من خصائص المسلمين ألا يلوموا وألا يعاقبوا من انتصر بحق أو بعد ما ظلم
وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ قال ابن كثير: أي صبر على الأذى وستر السيئة. وقال النسفي: ولمن صبر على الظلم والأذى وغفر ولم ينتصر إِنَّ ذلِكَ أي: الصبر والغفران معه لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ قال النسفي: أي من الأمور التي ندب إليها أو مما ينبغي أن يوجبه العاقل على نفسه ولا يترخّص في تركه. وقال ابن كثير:(قال سعيد بن جبير: يعني لمن حق الأمور التي أمر الله تعالى بها، أي: لمن الأمور المشكورة والأفعال الحميدة التي عليها ثواب جزيل وثناء جميل).