وبأسلوب وعظي يصل إلى كل قلب، فإن يكون هذا القرآن هكذا فهذا وحده دليل على أنه من عند الله، وأن يكون كذلك فذلك من فضل الله وَشِفاءٌ أي دواء شاف لِما فِي الصُّدُورِ أي القلوب من العقائد الفاسدة، والشبه والشكوك، وهو إزالة ما فيها من رجس ودنس، فهذه خاصية ثانية من خواص هذا القرآن: أنه مطهر للقلب البشري من كل مرض، فالقلب البشري يمرض بالكفر والشك، والحقد والحسد وغير ذلك، هذا القلب في القرآن شفاؤه، إذا أقبل صاحبه على هذا القرآن بالتلاوة والتدبر والرغبة الصادقة وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ أي ومن خصائصه أنه هدى، وأنه رحمة، ولكن للمؤمنين المصدقين، فهؤلاء الذين تحصل لهم الهداية، وتنالهم الرحمة به، فهم المستفيدون الوحيدون به ومنه، وهذا كذلك من خصائص هذا القرآن، فإن الإنسان يأخذ منه على قدر استعداده وإيمانه، أما الكافرون والمنافقون فليس لهم في هذا القرآن نصيب
قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ الذي مظهره الهداية للإيمان والإسلام وَبِرَحْمَتِهِ أي القرآن فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا أي بهذا الذي من الله عليهم به من الهدى ودين الحق والكتاب الهادي فليفرحوا؛ فإنه أولى ما يفرحون به هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ أي من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة لا محالة، وهذا أدب عظيم لا يتحقق به إلا الموفقون الذين عرفوا القيمة الحقيقة للأشياء، أما الذين طاش لديهم الميزان فيعطون السعر الكبير لذي القيمة الحقيرة، والسعر الرخيص لذي القيمة الكبيرة، فهؤلاء بعيدون عن التوفيق وبعيدون عن حقيقة الإيمان.
أخرج ابن أبي حاتم عن أيفع بن عبد الكلاعي قال: لما قدم خراج العراق إلى عمر رضي الله عنه خرج عمر ومولى له فجعل عمر يعد الإبل فإذا هي أكثر من ذلك، فجعل
عمر يقول: الحمد لله تعالى. ويقول مولاه: هذا والله من فضل الله ورحمته، فقال عمر:
كذبت ليس هذا هو الذي يقول تعالى قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ الآية، وهذا مما يجمعون. رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني، فانظر هداك الله إلى نظرات الموفقين وتقييمهم للأشياء واقتد بها ولا يسرين إلى قلبك داء العصر (المادية) أي حب الدنيا والركون إليها، والاطمئنان إليها، وجعلها المقياس الوحيد، ومن هذا المقام ندرك الفارق الكبير بين التصور الإسلامي والتصورات الكافرة المعاصرة. إن أضخم دولتين في العالم الآن الاتحاد السوفيتي وأمريكا، يقوم مجتمعهما على فلسفة مادية بحتة؛ تقيم الأشياء من خلال مردودها المادي.
الاتحاد السوفيتي ينطلق من الفلسفة الماركسية التي تعتبر الإنتاج هو كل شئ، والاقتصاد هو كل شئ في حياة البشر. والمجتمع الأمريكي يقوم على فلسفة البراجماتزم: أي فلسفة