كانوا أعتى شئ وأجبره، فسلط الله عليهم ما هو أعتى منهم وأشد قوة، كما قال تعالى:
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ* إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ (الفجر: ٦، ٧) وهم عاد الأولى كما قال تعالى: وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى (النجم: ٥) وهم من نسل إرم ابن سام بن نوح ذاتِ الْعِمادِ الذين كانوا يسكنون العمد، ومن زعم أن إرم مدينة فإنما أخذ ذلك من الإسرائيليات من كلام كعب ووهب، وليس لذلك أصل أصيل، ولهذا قال: الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ (الفجر: ٨) أي لم يخلق مثل هذه القبيلة في قوتهم وشدتهم وجبروتهم، ولو كان المراد بذلك مدينة لقال: التي لم يبن مثلها في البلاد. وقال تعالى: فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (فصلت: ١٥) وقد قدمنا أن الله تعالى لم يرسل عليهم من الريح إلا مقدار أنف الثور، عتت على الخزنة، فأذن الله لها في ذلك، فسلكت فحصبت بلادهم فحصبت كل شئ لهم كما قال تعالى: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها الآية. وقال تعالى: وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ إلى قوله: حُسُوماً أي كاملة فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (الحاقة: ٧) أي بقوا أبدانا بلا رءوس، وذلك أن الريح كانت تأتي الرجل منهم فتقتلعه وترفعه في الهواء، ثم تنكسه على أم رأسه، فتشدخ دماغه، وتكسر رأسه، وتلقيه كأنهم أعجاز نخل منقعر. وقد
كانوا تحصنوا في الجبال والكهوف والمغارات، وحفروا لهم في الأرض إلى أنصافهم، فلم يغن عنهم ذلك من أمر الله شيئا إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ (نوح: ٤) ولهذا قال تعالى: فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ الآية).
...
[كلمة في السياق]
جاءت المجموعة الخامسة فأضافت آية جديدة من الآيات التي يتلوها الله عزّ وجل في سورة الشعراء وهي، نموذج على آيات الله خلال العصور، يتلوها محمد صلى الله عليه وسلم وأمته؛ لتقوم الحجة بها على رسالته، وصلة ذلك بقوله تعالى: تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ واضحة، مما يؤكد أن ما ذهبنا إليه من كون هذه الآية هي محور سورة الشعراء في محله- والله أعلم- لقد عرض الله علينا في هذه السورة نماذج من آياته في الكون، ومن أفعاله خلال العصور: في تنوع أصناف النبات، وفيما فعل