اشتملت هذه الآية الكريمة على الأمر بالوصية للوالدين والأقربين. وقد كان ذلك واجبا قبل نزول آية المواريث. فلما نزلت آية الفرائض نسخت هذه وصارت المواريث المقدرة فريضة من الله، يأخذها أهلوها حتما من غير وصية ولا تحمل منة الموصي. فإذا اتضح هذا، صار المعنى الحرفي:
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ: أي فرض عليكم إذا دنا الموت من أحدكم فظهرت عليه أماراته. إِنْ تَرَكَ خَيْراً: أي ترك ما لا كثيرا. وحدده ابن عباس بستين دينارا فما فوق الْوَصِيَّةُ أي فرضت الوصية قضاء لحق القرابة والوالدين.
لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ أي بالرفق والإحسان. حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ: أي واجبا على الذين يتقون الله.
فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ أي فمن بدل الوصية وحرفها، فغير حكمها، وزاد فيها، أو نقص- ويدخل في ذلك الكتمان لها بطريق الأولى- فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ: أي إثم التبديل على المبدل دون غيره من الموصي والموصى له. لأنهما بريئان من الحيف. وللميت الأجر. إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ: أي قد اطلع على ما أوصى به الميت، وهو عليم بذلك، وبما بدله المبدلون. فهو سميع لقول الموصي، عليم بجور المبدل
فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ: أي من علم منه.
جَنَفاً أَوْ إِثْماً. الجنف: هو الميل عن الحق بالخطإ، والإثم: هو الميل المتعمد عن الحق هنا. فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ: أي بين الموصى لهم وهم الوالدان والأقربون، بأن يعدل عن الذي أوصى به الميت إلى ما هو أقرب الأشياء وأشبهها بالحق والعدل. فهذا الإصلاح والتوفيق ليسا من التبديل في شئ. فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ: في هذا التبديل. لأن تبديله تبديل باطل إلى حق. وقيل هذا في حال حياة الموصي. أي فمن حضر وصيته فرآه على خلاف الشرع فنهاه عن ذلك وحمله على الصلاح، فلا إثم على هذا الموصي بما قال أولا.
أو فلا إثم على هذا الناصح. إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ: يغفر لمن أصلح ويرحمه. أو يغفر لمن وقع في الخطأ ثم تراجع عنه، ويرحمه.
هذا شرح الآيتين على القول بأنهما منسوختان. نسختهما آيات المواريث.