قدم الألوسي لسورة الغاشية بقوله:(مكية بلا خلاف. وعدة آياتها ست وعشرون كذلك. وكان صلى الله تعالى عليه وسلم كما أخرج مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن النعمان بن بشير يقرؤها في الجمعة مع سورتها. ولما أشار سبحانه فيما قبل إلى المؤمن والكافر والجنة والنار إجمالا بسط الكلام هاهنا).
وقدم صاحب الظلال لهذه السورة بقوله:(هذه السورة واحدة من الإيقاعات العميقة الهادئة. الباعثة إلى التأمل والتدبر، وإلى الرجاء والتطلع، وإلى المخافة والتوجس، وإلى عمل الحساب ليوم الحساب!.
وهي تطوف بالقلب البشري في مجالين هائلين: مجال الآخرة وعالمها الواسع، ومشاهدها المؤثرة. ومجال الوجود العريض المكشوف للنظر، وآيات الله المبثوثة في خلائقه المعروضة للجميع. ثم تذكرهم بعد هاتين الجولتين الهائلتين بحساب الآخرة، وسيطرة الله، وحتمية الرجوع إليه في نهاية المطاف .. كل ذلك في أسلوب عميق الإيقاع، هادئ، ولكنه نافذ. رصين، ولكنه رهيب!).
وقال ابن كثير بين يدي سورة الغاشية:(قد تقدم عن النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بسبح اسم ربك الأعلى والغاشية في صلاة العيد ويوم الجمعة. وروى الإمام مالك عن ضمرة بن سعيد عن عبيد الله بن عبد الله أن الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشير: بم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الجمعة مع سورة الجمعة؟ قال: هل أتاك حديث الغاشية ورواه أبو داود والنسائي كلاهما عن مالك به، ورواه مسلم وابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة).
[كلمة في سورة الغاشية ومحورها]
رأينا أن سورة الأعلى فصلت في قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ .. وسورة الغاشية الآتية بعدها تفصل في نفس المحور، ولكن بشكل جديد، فالمحور يأمر بعبادة الله عزّ وجل خالق الإنسان والسماء والأرض، مبينا أن عبادة الله وحده هي التي توصل إلى الغاية. أما العبادة الخاطئة فإنها لا توصل إلا إلى النار، وسورة الغاشية تعرض علينا صورتين: صورة لعباد