فإذا اجتمع هذا مع ما ذكرته النصوص فعندئذ يوجد الراسخ في العلم.
ولعلنا بذلك نكون قد حددنا سمات من نستطيع أن نقبل كلامه في موضوع المحكم والمتشابه، فإذا ما اجتمع لنا مع ذلك معرفة تاريخية في أنواع من المتشابه، ضلت به الفرق المنشقة عن جسم الأمة الإسلامية، أو يستعمله المنحرفون المعاصرون، فإن ذلك كله يساعد على توضيح قضية المحكم والمتشابه.
[فصل في التقية]
بمناسبة قوله تعالى لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً يتحدث عادة عن موضوع «التقية» الذي اشتهر عن الشيعة، والذي يشاركهم في بعض مضامينه أهل السنة، ويخالفونهم في مضامين أخرى كثيرة. وقد ذكرنا أثناء التفسير ما يوضح بعض النقاط.
ولزيادة الإيضاح فإننا ننقل بعض كلام الألوسي في هذا المقام:
يقول الألوسي:
«وفي الآية دليل» على مشروعية التقية، وعرفوها بحفظ النفس. أو العرض. أو المال من شر الأعداء، والعدو قسمان: الأول من كانت عداوته مبنية على اختلاف الدين كالكافر والمسلم [المبتدع]، والثاني من كانت عداوته مبنية على أغراض دنيوية كالمال والمتاع والملك والإمارة، ومن هنا صارت التقية قسمين: أما القسم الأول: فالحكم الشرعي فيه أن كل مؤمن وقع في محل لا يمكن له أن يظهر دينه لتعرض المخالفين، وجب عليه الهجرة إلى محل يقدر فيه على إظهار دينه، ولا يجوز له أصلا أن يبقى هناك ويخفي دينه ويتشبث بعذر الاستضعاف، فإن أرض الله تعالى واسعة، ثم إن كان ممن لهم عذر شرعي في ترك الهجرة كالصبيان والنساء والعميان والمحبوسين والذين يخوفهم المخالفون بالقتل. أو قتل الأولاد. أو الآباء. أو الأمهات تخويفا يظن معه إيقاع ما خوفوا به غالبا سواء كان هذا القتل بضرب العنق. أو بحبس القوت. أو بنحو ذلك فإنه يجوز له المكث مع المخالف، والموافقة بقدر الضرورة ويجب عليه أن يسعى في الحيلة للخروج والفرار بدينه. ولو كان التخويف بفوات المنفعة، أو بلحوق المشقة التي يمكنه تحملها كالحبس مع القوت، والضرب القليل غير المهلك لا يجوز له موافقتهم، وفي صورة الجواز أيضا موافقتهم رخصة وإظهار مذهبه عزيمة فلو تلفت نفسه لذلك فإنه شهيد