أنزلت على موسى عليه السلام وَالْإِنْجِيلَ الذي سينزله الله عليه
وَرَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أي: ونجعله رسولا إلى بني إسرائيل فهو مرسل إليهم خاصة قائلا لهم: أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أي: بعلامة خارقة، ودلالة تدل على صدقي فيما أدعيه من النبوة وهي:
أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وكذلك يفعل، يصور من الطين شكل طير ثم ينفخ فيه فيطير عيانا بإذن الله- عزّ وجل- الذي جعل هذا معجزة له تدل على أنه أرسله. وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ أي: الذي ولد أعمى، يجعله بصيرا وَالْأَبْرَصَ أي: ويبرئ الأبرص وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ كررت الكلمة بإذن الله على لسان عيسى لتعلم عبوديته، ولدفع أي توهم بربوبيته وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ أي: وأخبركم بما أكل أحدكم الآن وما ادخر في بيته لغده. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ أي: على صدقي فيما جئتكم به إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بالله وأفعاله وآياته
وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ أي مقررا لها ومثبتا. أي قد جئتكم بآية، وجئتكم مصدقا للتوراة وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ في شريعة موسى، وفيه دلالة على أن عيسى عليه السلام نسخ بعض شريعة التوراة. وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أي: بحجة ودلالة على صدقي فيما أقوله لكم، وكرر للتأكيد. فَاتَّقُوا اللَّهَ في تكذيبي وخلافي وَأَطِيعُونِ في أمري.
إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أي: أنا وأنتم سواء في العبودية لله، والخضوع والاستكانة إليه. وهذا إعلان للعبودية، ونفي للربوبية عن نفسه، بخلاف ما يزعم النصارى. هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ أي: إعلان العبودية لله، وإعطاؤه الربوبية، وحسن عبادته، هذا هو الصراط المستقيم الذي يؤدي بصاحبه إلى النعيم المقيم. جاء هذا كله في معرض البشارة لمريم بعيسى،
ثم نقلنا الله- عزّ وجل- إلى موقف قوم عيسى منه، وموقفه بسبب ذلك. فكأنه قال: هذا الذي بشرت به مريم، في شأن ابنها كان، فماذا حدث إذ كان؟ حدث أن قابل اليهود هذا كله بالكفر. فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ فلما علم من اليهود كفرا، علما لا شبهة فيه، كعلم ما يدرك بالحواس، أو فلما استشعر منهم التصميم على الكفر، والاستمرار على الضلال، قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ الأنصار جمع نصير وناصر، أي من ينصرني في الدعوة إلى الله؟ قالَ الْحَوارِيُّونَ: نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ الحواري هو صفوة الرجل وخاصته، أي قال له صفوة أصحابه: نحن أعوان دين الله آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ أي: صدقنا بالله ونطلب شهادتك على إسلامنا، وإنما طلبوا