رأينا في المقطع السابق تحريم الله علينا طاعة أهل الكتاب، وأمره لنا بالاعتصام بكتابه، وعدم التفرق والاختلاف، وأمره لنا بالدعوة إلى الكتاب والسنة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وخيرية هذه الأمة بسبب اجتماع الإيمان بالله، مع الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر لها، ووعد الله لنا أن ينصرنا على أهل الكتاب إذا قاتلناهم، وثناء الله على من يؤمن من أهل الكتاب، ويدخل فيما دخلت به هذه الأمة من عمل. ثم ما أعد الله للكافرين، وفى هذا المقطع ينهانا الله عزّ وجل في الآية الأولى عن اتخاذ بطانة من دوننا من الكافرين أو المنافقين، نطلعهم على أسرارنا، وما نضمره لأعدائنا، وبين الله- عزّ وجل- سبب ذلك لأن هؤلاء لا يقصرون في مخالفتنا وما يضرنا، ويرغبون في كل ما يشق على المسلمين ويعنتهم، وأنهم لا يضمرون لنا إلا البغضاء، حتى إنهم ليظهرون ذلك. ثم بصرنا الله بحالهم أكثر، فمع أننا نحبهم بحكم الخلق، والطبيعة البشرية الصافية. فإنهم لا يحبوننا، ومع أننا نؤمن بالكتاب كله، فهم يتظاهرون مسايرة لنا بالإيمان، ولكن الغيظ منا ومن ديننا يأخذ عليهم قلوبهم. فالموقف السليم أن نزيدهم غيظا، لا أن نتخذهم خاصتنا، ومحل أسرارنا. ثم زادنا الله تعريفا بهم. أنهم لا يفرحون لما يصيبنا من نصر، أو خير، أو عز، وإنما يسوؤهم ذلك، ويفرحون بما يصيبنا من بلاء ومحن. وهم أصحاب كيد للإسلام وأهله، ولكنا إذا تحققنا بالصبر والتقوى فقد وعدنا الله ألا يضرنا كيدهم. ثم شرع الله- عزّ وجل- يذكرنا بوقائع تطبيقية حدثت لهذه الأمة تدل على أن هذه الأمة إن صبرت واتقت فالله يتولى شأنها كله، ولا يضرها كيد الكافرين أو المنافقين.
المثال الأول من أحد: إذ كادت عشيرتان من الأنصار أن تتأثرا بمواقف الكافرين، ولكن لتحققهما بالإيمان؛ فإن الله عصمهما من ذلك. ومن ثم يأمر الله المؤمنين بالتوكل عليه؛ لأنهم إن توكلوا عليه أنقذهم من كل كيد، وفتنة، أو تخطيط ماكر. ثم ذكرنا الله- عزّ وجل- بنصرنا يوم بدر مع ضعفنا وقلتنا، وأمرنا بالتقوى شكرا له على ذلك، وهذا هو المثال الثاني وقد بين الله- عزّ وجل- بعض ما فعله لنا يوم بدر؛ ليحقق المثل ما هو مسوق له من نموذج على ما مر أنه في حالة صبرنا وتقوانا لا يضرنا كيد الكافرين أو المنافقين، بل الله بفضله يفعل ما ينقذنا منهم، وينصرنا عليهم، بأن يمدنا بمدد من الملائكة؛ لينصرنا على الكافرين، وليمزقهم، أو يرد كيدهم خائبا.