ثم بين تعليل الأمر الثاني وكيف تم تنفيذ القضية الأولى:
وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ومن العبارة الثالثة عرفنا لم جعل البيت مثابة وأمنا، وذلك من أجل الطواف والعكوف والركوع والسجود، فمن كان في مكة أو ذهب إليها فعليه أن يلاحظ ذلك. وسنرى أنه بعد مقطع إبراهيم ومقطع القبلة سيأتي قوله تعالى: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ وذلك استكمالا للسياق في عبادات الحرم. ولكن بعد أن يأخذ السياق مجراه في استكمال التقرير والحوار في القضايا الرئيسية التي يحتاجها السياق.
وهكذا رأينا في الآية الأولى من مقطع إبراهيم كيف قررت إمامة إبراهيم وسببها، ورأينا في الآية الثانية إمامة الكعبة واختصاصها بشرف عظيم، فلله خواص في الأزمنة والأمكنة والأشخاص، يخص من شاء وما شاء بما شاء، وإذ تتقرر إمامة البيت وإمامة إبراهيم؛ يأتي الأمر لهذه الأمة باتخاذ مقام إبراهيم مصلى وصلة ذلك بإمامة إبراهيم واضحة: ثم يأتي قوله تعالى: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ.
[المعنى الحرفي]
واذكر إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا البلد أو هذا المكان بلدا ذا أمن، وارزق المؤمنين بالله واليوم الآخر من أهله من الثمرات فقال الله تعالى جوابا له وَمَنْ كَفَرَ أي: وأرزق من كفر فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا أي فأمتعه تمتيعا قليلا، أو زمانا قليلا إلى حين أجله ثُمَّ أَضْطَرُّهُ أي ألجئه إلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ الذي يصير إليه وهو النار. قاس إبراهيم عليه السلام الرزق على الإمامة، فإذ أعلمه الله بخصوصية الإمامة في المؤمنين، فإنه قطع كل عاطفة تربطه بغيرهم فلم يدع الله بالرزق إلا لهم، فأخبره الله أنه يرزق الكافرين كما يرزق المؤمنين، قال ابن إسحاق: «لما عن لإبراهيم الدعوة على من أبى الله أن يجعل له الولاية، انقطاعا إلى الله ومحبة وفراقا لمن خالف