قبلها، بين الله- عزّ وجل- الحكم الأصلي في المنافقين، وهو القتل، وعدم إعطائهم النصرة، وعدم قبولها منهم حتى يكونوا مؤمنين حقا، علما وعملا. وبعد أن ذكر الله-
عزّ وجل- الحكم الأصلي في المنافقين، ذكر صورا تدخل تحت هذا الحكم.
وصورا مستثناة من هذا الحكم. فذكر من يستثنى من هذا الحكم في الآية اللاحقة وذكر من يدخل تحت هذا الحكم في الآية التي تليها.
إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ. هذه أول الصور المستثناة من حكم القتل. صورة من لجأ وتميز إلى قوم بينهم وبينكم مهادنة، أو عقد. فإن حكمهم، كحكمهم. كما حدث يوم الحديبية. إذ كان من جملة بنود الصلح، أن من أحب أن يدخل في صلح قريش، وعهدهم دخل ومن أحب أن يدخل في صلح محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه دخل. فيكون المعنى بعد فهم هذه الصورة المستثناة: فاقتلوهم، إلا من اتصل بقوم بينكم وبينهم ميثاق. أي: إلا الذين ينتهون إلى قوم بينكم وبينهم عهد، أو يتصلون بهم. وهناك مثال يذكره النسفي من السيرة على هذا: أن هلال بن عويمر الأسلمي، وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل خروجه إلى مكة، على ألا يعينه، ولا يعين عليه، وعلى أن من وصل إلى هلال، والتجأ إليه، فله من الجوار مثل الذي لهلال.» والصورة الثانية من الصور المستثناة من الأمر بالقتل:
الضيق، والانقباض. والمعنى: واقتلوهم إلا من كان ممسكا عن قتالكم، أو قتال قومه، بسبب ضيق نفسه عن هذا، وهذا. فهؤلاء قوم آخرون، مستثنون من الأمر بالقتال. وهم الذين تضيق صدورهم أن يقاتلوا المسلمين. ولا يستريحوا أن يقاتلوا قومهم معكم. بل هم لا لكم ولا عليكم، وضرب ابن كثير مثالا لهؤلاء فقال: وهؤلاء كالجماعة الذين خرجوا يوم بدر من بني هاشم مع المشركين. فحضروا القتال وهم كارهون، كالعباس، ونحوه. ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل العباس، وأمر بأسره.
وهناك مثال آخر ينطبق على هذه الحالة. وقد ذكره ابن كثير كنموذج للحالة الأولى.
ونراه لهذه الحالة. وهذا هو المثال: أخرج ابن أبي حاتم أن سراقة بن مالك المدلجي قال: لما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم على أهل بدر، وأحد. وأسلم من حولهم. قال سراقة بلغني أنه يريد أن يبعث خالد بن الوليد إلى قومي، بني مدلج. فأتيته، فقلت: أنشدك النعمة، فقالوا: صه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «دعوه. ما تريد؟». قال: بلغني أنك تريد أن تبعث إلى قومي، وأنا أريد أن توادعهم، فإن أسلم قومك أسلموا ودخلوا في