فلا تقوى إلا بقصاص، ولا قصاص إلا بدولة وحكومة، ولا نكون من المتقين المهتدين بهدي كتاب الله- وهي الصفة الأولى من صفات المتقين- حتى نقيم القصاص بإقامة الدولة التي تقيمه، ورقابتها، ومحاسبتها. فليعلم ذلك الذين يظنون أن التقوى مجرد صلاة، وليعلم ذلك الذين لا يبذلون أدنى جهد صحيح لإقامة حكم الله في الأرض. فالسياق إذن ماض على نسق واحد هو الدعوة إلى التقوى، بتبيانها، وتبيان طريقها، وتعميق مفاهيمها.
[توضيح هام]
التقوى: هي تنفيد ما يطالب به كل إنسان من كتاب الله، وسنة رسوله. والمحاسبة تكون على التقصير ضمن الوسع. فمثلا أنا كمسلم لا أستطيع أن أطبق حكم القصاص بمفردي. ولكي أبرئ ذمتي عند الله علي أن أبذل جهدا من أجل الوصول إلى تطبيق حكم القصاص والعمل ضمن وسعي، إما بالسعي نحو إقامة الحكومة الإسلامية حال فقدها، أو بتذكيرها حال وجودها، أو بالسعي نحو العفو في كل حال.
هل الآية الأولى في هذه الفقرة منسوخة بآية المواريث الموجودة في سورة النساء؟ أو أن آية المواريث مفسرة لها؟ أو أن آية المواريث إنما رفعت حكم بعض أفراد ما دل عليه عموم آية الوصية؟. ثلاثة أقوال في الآية، الذي عليه عامة الفقهاء هو الأول. والذي نقله الرازي عن أبي مسلم الأصفهاني هو الثاني ثم قال أي الرازي:(وهو قول أكثر المفسرين، والمعتبرين من الفقهاء). والقول الثالث ذهب إليه الكثير، منهم ابن عباس، والحسن، ومسروق، وطاوس، والضحاك، ومسلم بن يسار، والعلاء بن زياد، وغيرهم.
وسنرى أنه من الناحية العملية لا يترتب على هذا الخلاف كبير أمر في موضوع التطبيق. وإنما الموضوع مرتبط بذوقية تذوق القرآن، وبانسجام الفهم للنص مع
مجموعة النصوص.
وسنشرح الآية شرحا حرفيا وكليا على ضوء القول الأول، ثم الثاني، ثم الثالث.