هناك! .. لقد أدت لهم هذه التجربة دورا هاما في تحطيم الخلافة كآخر مظهر للتجمع الإسلامي في الأرض، ولكنها بعلمانيتها السافرة قد عجزت عن أن تكون نموذجا يؤثر في بقية المنطقة. لقد انخلعت من الدين فأصبحت أجنبية عن الجميع، الذين ما يزال الدين عاطفة غامضة في قرارات نفوسهم .. ومن ثم غيّرت الصليبية والصهيونية في التجارب الكمالية التركية اللاحقة. فوضعت على هذه التجارب ستارا من الدين وتقيم له أجهزة دينية تضفي عليه الصفة، سواء بالدعاية المباشرة، أو باستنكار جزئيات هزيلة يوهم استنكارها أن ما عداها سليم وكان هذا من أخبث الكيد الذي تكيده الإنس والجن لهذا الدين ..
على أن الأجهزة الصليبية والصهيونية التي تعمل بكل ثقلها في هذه الفترة، وبكل تضامنها وتجمعها، وبكل تجاربها وخبرتها، تحاول أن تستر الغلطة في التجربة التركية ذاتها، بأن تزعم أن هذه التجربة ذاتها كانت حركة من حركات البعث الإسلامي وأننا يجب ألا نصدقها فيما أعلنته عن نفسها من أنها (علمانية) تنبذ الدين وتعزله عن الحياة عزلا!
ويجهد المستشرقون (وهم الأداة الفكرية للاستعمار الصليبي الصهيوني) في تطهير التجربة الكمالية من تهمة الإلحاد جهدا كبيرا .. ذلك أن انكشاف إلحادها جعلها تؤدي دورا محدودا .. وهو سحق آخر مظهر للتجمع الإسلامي في الأرض .. ولكنها عجزت بعد ذلك أن تؤدي الدور الآخر- الذي تحاول أن تؤديه التجارب التالية في المنطقة- من تفريغ المفهومات الدينية والحماسة الدينية في أوضاع وأشكال جاهلية! ومن تبديل الدين باسم الدين! ومن إفساد الخلق والمقومات الفطرية الأصلية باسم الدين أيضا! ومن إلباس الجاهلية ثوب الإسلام لتؤدي به دورها في كل البقاع التي ما يزال فيها عاطفة دينية غامضة، وقيادتها بهذا الخطام المزور الخادع إلى محاضن الصليبية والصهيونية ..
الأمر الذي عجزت عنه الحملات الصليبية والصهيونية طوال ألف وثلاث مائة عام، من الكيد للإسلام!».
[فوائد]
١ - [بمناسبة قوله تعالى وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ]
بمناسبة قوله تعالى: وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ ذكر ابن كثير الحديث الذي رواه ابن أبي حاتم، وغيره عن النّواس بن سمعان قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الإثم فقال: «الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطّلع الناس عليه».