للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النفس الآن (اللاشعور) فالله عزّ وجل الذي يعلم السر والجهر، وما هو أخفى من السر، هو الذي أنزل القرآن؛ فكيف لا يكون القرآن مسعدا؟ إن أي شئ آخر لا يمكن أن يسعد الإنسان سوى هذا القرآن؛ لأنه وحده الذي يخاطب الكينونة البشرية كلها فيسعدها كلها، وكل ما سواه يكون إسعاده على حساب إشقاء في جانب آخر.

ثم قال تعالى: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى. قال ابن كثير: (أي الذي أنزل عليك القرآن هو الله لا إله إلا هو، ذو الأسماء الحسنى والصفات العلى). وفي ذكر كلمة التوحيد قبل ذكر الأسماء إشارة إلى أنه واحد في ذاته، ولو افترقت عبارات صفاته، وإذ كان الله الواحد الأحد المتصف بالصفات الحسنى هو منزل هذا القرآن فكيف لا يكون كتابه مسعدا! وكيف لا يذكر الله عباده بما يسعدهم في دنياهم وأخراهم. هذه هي المقدمة.

[كلمة في السياق]

إن صلة هذه المقدمة بمحور السورة واضح؛ فالمقدمة أقامت الحجة على أن هذا القرآن يسعد ولا يشقي، وفي ذلك دعوة للإيمان به، والمقدمة بينت أنه مذكر لمن يخشى، فهي دعوة للخشية، وللتذكر بهذا القرآن، أي هي دعوة للإيمان، فالصلة بينها وبين قوله تعالى وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ واضحة، خاصة وقد عرفت على المنزل وهو الله، وعرفت المنزل وهو القرآن، وردت على توهمات في شأنه، كما أن الصلة بين المقدمة وقوله تعالى في سورة البقرة عن القرآن هُدىً لِلْمُتَّقِينَ وبينها وبين قوله تعالى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ واضحة؛ مما يؤكد أن محور سورة طه هو الآيات الأولى من سورة البقرة، وسنرى أن الصلة بين مقدمة سورة طه، وبقية السورة كاملة.

فعند ما نرى مثلا في المرحلة الأولى من قصة موسى عليه السلام مع فرعون قوله تعالى: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى التي تشبه قوله تعالى في المقدمة:

إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى ندرك أن سنة الله الدائمة هي أن يرسل الله رسلا للبشر؛ ليتذكروا ويخافوا، فليس بدعا أن ينزل الله القرآن تذكرة لمن يخشى.

ولا نستعجل الكلام عن الصلة بين المقدمة وبقية السورة، فسنرى هذا شيئا فشيئا.

<<  <  ج: ص:  >  >>