للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الغيّ؛ إذ لا كفر أبلغ من أن يسمّوا من صدّقه الله كاذبا ساحرا، ويتعجّبوا من التوحيد، وهو الحقّ الأبلج، ولا يتعجبوا من الشّرك وهو باطل لجلج).

أَجَعَلَ الْآلِهَةَ أي أصيّرهم إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ أي بليغ في العجب. قال ابن كثير: (أي أزعم أن المعبود واحد لا إله إلا هو؟ أنكر المشركون ذلك- قبّحهم الله تعالى- وتعجّبوا من ترك الشرك بالله، فإنّهم كانوا قد تلقّوا عن آبائهم عبادة الأوثان، وأشربته قلوبهم، فلمّا دعاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى خلع ذلك من قلوبهم، وإفراد الإله بالوحدانية أعظموا ذلك وتعجّبوا)

وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أي سادتهم وقادتهم ورؤساؤهم وكبراؤهم قائلين أَنِ امْشُوا أي استمروا على دينكم وَاصْبِرُوا عَلى عبادة آلِهَتِكُمْ ولا تستجيبوا لما يدعوكم إليه محمد صلّى الله عليه وسلم من التوحيد إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ. أي: (إن هذا الذي يدعونا إليه محمد صلّى الله عليه وسلم من التوحيد لشيء يريد به الشرف عليكم والاستعلاء، وأن يكون له منكم أتباع، ولسنا نجيبه إليه) ذكره ابن جرير.

ما سَمِعْنا بِهذا أي بالتوحيد فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ أي في ملة عيسى التي هي آخر الملل، لأن النصارى مثلّثة غير موحّدة، أو في ملة قريش التي أدركنا عليها آباءنا. قال ابن عباس: قالوا: لو أن هذا القرآن حق لأخبرتنا به النصارى إِنْ أي: ما هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ أي: كذب اختلقه

أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ أي:

على محمد صلّى الله عليه وسلم الذِّكْرُ أي القرآن مِنْ بَيْنِنا يعني أنهم يستبعدون تخصيصه بإنزال القرآن عليه من بينهم كلهم. قال النسفي: أنكروا أن يختصّ بالشرف من بين أشرافهم، وينزل عليه الكتاب من بينهم حسدا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي أي:

من القرآن بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ هذا بداية الردّ على مواقفهم. أي: بل أنهم لا يصدّقون به إلّا أن يمسهم العذاب فيصدقوا حينئذ. قال ابن كثير: (أي: إنما يقولون هذا لأنهم ما ذاقوا- إلى حين قولهم ذلك- عذاب الله تعالى ونقمته، سيعلمون غب ما قالوا وما كذبوا به يوم يدعّون إلى نار جهنم دعّا) ثم قال تعالى مبيّنا أنه المتصرّف في ملكه، الفعال لما يشاء، الذي يعطي من يشاء ما يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، ويهدي من يشاء، ويضل من يشاء، وينزل الروح من أمره على من يشاء من عباده، ويختم على قلب من يشاء، فلا يهديه أحد من بعد الله، وأن العباد لا يملكون شيئا من الأمر، وليس إليهم من التصرف في الملك ولا مثقال ذرة، وما يملكون من قطمير، ولهذا قال تعالى منكرا عليهم

أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ أي: العزيز الذي لا يرام جنابه، الوهاب الذي يعطي ما يريد

<<  <  ج: ص:  >  >>