لِلنَّاسِ عَجَباً الهمزة لإنكار التعجب منه أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ أي سابقة وفضلا ومنزلة رفيعة عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ أي إن هذا الرسول واضح السحر.
[فوائد]
١ - أنكر الله تعالى في هذه الآية على من تعجب من الكفار من إرسال المرسلين من البشر، وذلك دأب الناس من كل رسالة، بما في ذلك رسالة رسولنا صلى الله عليه وسلم قال ابن كثير: قال الضحاك عن ابن عباس: لما بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا أنكرت العرب ذلك- أو من أنكر منهم- فقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد فأنزل الله عزّ وجل: أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً قال النسفي: (فقد كانوا يقولون:
العجب أن الله لم يجد رسولا يرسله إلى الناس إلا يتيم أبي طالب. واستتبع عجبهم هذا؛ العجب من ذكر البعث والإنذار بالنيران، والتبشير بالجنان) وقد رد النسفي هذا العجب فقال: وكل واحد من هذه الأمور ليس بعجب، لأن الرسل المبعوثين إلى الأمم لم يكونوا إلا بشر مثلهم. وإرسال اليتيم أو الفقير ليس بعجب أيضا؛ لأن الله تعالى إنما يختار للنبوة من جمع أسبابها، والغنى والتقدم في الدنيا ليس من أسبابها، والبعث للجزاء على الخير والشر هو الحكمة العظمى، فكيف يكون عجبا؟ إنما العجب والمنكر في العقول تعطيل الجزاء.
٢ - عبر بالآية عن السابقة والفضل والمنزلة الرفيعة بالقدم الصدق؛ لأن السعي والسبق إنما يكون بالقدم، ولذلك سميت المسعاة الجميلة والسابقة قدما، كما سميت النعمة يدا لأنها تعطى باليد، وإضافة القدم إلى الصدق فيه دلالة على زيادة الفضل المعطاة لأصحاب ذلك من الله، ويمكن أن يفسر قدم الصدق بمقام الصدق أو سبق السعادة.
وقد توسع الألوسي في هذا المقام مبينا معنى (قدم صدق) ثم استطرد في ذكر استعمالات العرب لكلمة «القدم» مجازا فقال: قَدَمَ صِدْقٍ أي سابقة ومنزلة رفيعة عِنْدَ رَبِّهِمْ
وأصل القدم العضو المخصوص، وأطلقت على السبق مجازا مرسلا لكونها سببه وآلته، وأريد من السبق الفضل والشرف، والتقدم المعنوي إلى المنازل الرفيعة مجازا أيضا، فالمجاز هنا بمرتبتين، وقيل: المراد تقدمهم على غيرهم في دخول الجنة لقوله صلى الله عليه وسلم:
«نحن الآخرون السابقون يوم القيامة» وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الجنة محرمة على الأنبياء حتى