القرآن، فهذا القرآن تنزيل من الله وحده، وتأكيدا لهذا المعنى أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يقول:
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً أي معينا. والمعنى: لو تظاهروا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن في بلاغته وحسن نظمه لعجزوا عن الإتيان بمثله، ولو اجتمعت طاقات بعضهم إلى بعض لما أطاقوا ذلك ولما استطاعوه، ولو تعاونوا وتساعدوا وتضافروا فإن هذا أمر لا يستطاع، وكيف يشبه كلام المخلوقين كلام الخالق، الذي لا نظير له، ولا مثال له، ولا عديل له، فكما أن الروح من أمر الله فهذا القرآن من عند الله، وكما أن أحدا لا يستطيع أن يدرك سر الروح- فضلا عن أن يوجدها- فكذلك هذا القرآن يعجز أحد حتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يأتي به أو بمثله. وعلى هذا فإن تسلسل المعاني في هذا المقطع يكون على الشكل الآتي: تذكير بالنعمة يوصل إلى موضوع التكليف والحساب، وتذكير بوجوب الثبات على كل ما كلف الله به عباده. وتهديد لمن انحرف، ثم بعد ذلك يذكر نوعا من أنواع الإيذاء الذي يقابل به الدعاة، ثمّ تأتي أربعة أوامر توجه في هذا السياق لصاحب الدعوة، ثمّ يأتي تقرير يذكر فيه بعض خواص القرآن ويذكر فيه موقف الكافرين منه، ثم تذكر علة هذا الموقف، ثمّ يذكر جهل الإنسان وقصوره عن معرفة أقرب الأشياء إليه، وإذ كان الأمر كذلك فلا بد له من هداية ربانية، ومن ثم أنزل الله هذا القرآن المعجز، فإذا ما رفضه الكافرون فما ذلك إلا لجهلهم. فالمقطع عمّق أمر الاستسلام لهذا القرآن. فلنذكر الآن بعض النقول، ثم فوائد المقطع، ثم نعطف بكلمة عن سياق سورة الإسراء. ثم ننتقل إلى المقطع الرابع.
نقول [من الظلال:]
١ - عند قوله تعالى: وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً قال صاحب الظلال:
(بهذا السلطان المستمد من الله، أعلن مجئ الحق بقوته وصدقه وثباته، وزهوق الباطل واندحاره وجلائه. فمن طبيعة الصدق أن يحيا ويثبت، ومن طبيعة الباطل أن يتوارى ويزهق ..
إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً .. حقيقة لدنّية يقررها بصيغة التوكيد. وإن بدا للنظرة الأولى أن للباطل صولة ودولة. فالباطل ينتفخ وينتفش، لأنه باطل لا يطمئن إلى