للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابتداء، وأن التآمر عليه كان بعد إذ رأوه قادما من عند أبيه، فهذا يتنافى مع الفراسة التي عليها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

أَرْسِلْهُ مَعَنا أي ابعثه معنا غَداً يَرْتَعْ أي يتسع في أكل الفواكه وغيرها وَيَلْعَبْ بما يباح كالصيد والرمي والركض وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ من أن يناله مكروه

قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ أي إني ليحزنني ذهابكم به. أي يشق علي مفارقته مدة ذهابكم به إلى أن يرجع. وذلك لفرط محبته له لما يتوسم فيه من الخير العظيم، وشمائل النبوة، ولما كان عليه من الكمال في الخلق والخلق صلوات الله وسلامه عليه وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ أي وأخشى أن تشتغلوا عنه برميكم ورعيكم، فيأتيه ذئب فيأكله وأنتم لا تشعرون، اعتذر إليهم بأن ذهابهم به مما يحزنه، لأنه كان لا يصبر عنه ساعة، وأنه يخاف عليه من عدوة الذئب إذا غفلوا عنه، برعيهم ولعبهم. فأخذوا من فمه هذه الكلمة، وجعلوها عذرهم فيما فعلوه، وقالوا مجيبين له عنها في الساعة الراهنة

قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ أي فرقة مجتمعة مقتدرة على الدفع إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ أي إن لم نقدر على حفظ بعضنا فنحن إذا عاجزون عن حماية أي شئ، ومن ذلك مواشينا وغيرها. وقد أجابوا عن عذره الثاني دون الأول، لأن الأول كان يغيظهم

فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ أي وعزموا على إلقائه في البئر، وفي قوله تعالى وَأَجْمَعُوا تبشيع لما فعلوه أنهم اتفقوا كلهم على إلقائه في أسفل ذلك الجب، وقد أخذوه من عند أبيه فيما يظهرونه له إكراما وبسطا وشرحا لصدره وإدخالا للسرور عليه وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أي إلى يوسف في ذلك الحال الضيق تطيبا لقلبه وتثبيتا. قال النسفي: أوحى إليه في الصغر، كما أوحى إلى يحيى وعيسى عليهما السلام لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا أي لتحدثن إخوتك بما فعلوه بك وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أنك

يوسف، لعلو شأنك، وكبرياء سلطانك، وفي ذلك إشعار له ألا يحزن مما هو فيه، فإن له من ذلك فرجا ومخرجا حسنا، وسينصرك الله عليهم ويعليك، ويرفع درجتك، وستخبرهم بما فعلوا معك من هذا الصنيع، وهم لا يعرفونك ولا يستشعرون بك. ويحتمل أن يكون المعنى: وأوحينا إليه وهم لا يشعرون. أي آنسناه بالوحي، وأزلنا عن قلبه الوحشة وهم لا يشعرون لتنبئنهم بأمرهم هذا، والأول أقوى وأوجه وأصح. وسياق القصة يشهد له

وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً أي في ظلمة الليل يَبْكُونَ مظهرين الأسف والجزع والتغمم لأبيهم على يوسف. والظلمة أستر للمعتذر الكاذب. وأنسب للمتصنع. قال الأعمش: لا تصدق باكية بعد إخوة

<<  <  ج: ص:  >  >>