من التقوى والإيمان والعمل الصالح، فإذا كان الإنسان تقيا مؤمنا عاملا وأكل حلالا حتى ارتقى إلى حقيقة الإيمان والتقوى ثم إلى حقيقة التقوى والإحسان، فهذا لا جناح عليه فيما طعم حالا أو مآلا، أما إذا كان أكل الحلال لا يرافقه ارتقاء بل يرافقه انحدار فذلك الذي تحذّر منه الآية، فأكل الحلال يحتاج إلى شكر، وشكره الارتقاء إلى المقامات العالية من التقوى والإيمان، ثم إلى التقوى والإحسان، وعلى هذا الفهم فإن الآية تحضّ المؤمنين العاملين أن يؤدوا شكر الإطعام المباح بالارتقاء إلى المقامات العليا وتحذّر من النزول.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ معنى يبلو: يختبر وهو من الله لإظهار ما علم من العبد على ما علم، لا لعلم ما لم يعلم بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ أفاد التعبير: التقليل ليفيد أنه ليس من الفتن العظام تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ. أي: تنالونه أخذا بأيديكم يعني: صغار الصيد، وفراخه، وضعافه، وطعنا برماحكم وذلك كبار الصيد لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ
بِالْغَيْبِ
. أي: ليعلم الله خوف الخائف منه بالامتناع عن الاصطياد موجودا، كما كان يعلم قبل وجوده أنه يوجد، ليثيبه على عمله لا على علمه فيه فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ. أي: فمن صاد بعد هذا الإعلام والإنذار فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ. أي: لمخالفته أمر الله وشرعه، وقد ظهر الابتلاء هذا على أشده يوم الحديبية قال مقاتل بن حيان: أنزلت هذه الآية في عمرة الحديبية فكانت الوحش والطير والصيد تغشاهم في رحالهم لم يروا مثله قط، فنهاهم الله عن قتله وهم محرمون والابتلاء مستمر إلى يوم القيامة
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ. أي:
المصيد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ. أي: في حال إحرامكم أي وأنتم محرمون للحج أو للعمرة أو لهما معا وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً. أي: ذاكرا لإحرامه، أو عالما أن ما يقتله مما يحرم قتله عليه. قال النسفي: فإن قتله ناسيا لإحرامه، أو رمى صيدا وهو يظن أنه ليس بصيد فهو مخطئ، وإنما شرط التعمد في الآية مع أن محظورات الإحرام يستوي فيها العمد والخطأ، لأن مورد الآية فيمن تعمّد ... ولأن الأصل فعل المتعمّد، والخطأ ملحق به للتغليظ. فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ. أي: فعليه جزاء يماثل ما قتل من الصيد. قال النسفي: وهو قيمة الصيد يقوّم حيث صيد، فإن بلغت قيمته ثمن هدي خيّر بين أن يهدي من النّعم ما قيمته قيمة الصيد، وبين أن يشتري بقيمته طعاما فيعطي كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا من غيره، وإن شاء صام عن طعام كلّ مسكين يوما. وعند محمد والشافعي: مثله: نظيره من النّعم، فإن لم يوجد له نظير من