اختلفوا فيه، فأسعد المؤمنين، وأعنت الكافرين. قال النسفي: وسبقت كلمته لحكمة، وهي أن الدار دار تكليف. وتلك الدار دار ثواب وعقاب. اهـ. وعلى هذا فبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وإنزال الوحي إذن إنما هي لإرجاع الناس إلى ما كانوا عليه في الأصل، فكيف يتعجب الكافرون من ذلك، فلا يغر الكافر بعدم تعجيل العذاب له، فإن ذلك لحكمة،
ثم عجب الله منهم مرة أخرى، فهؤلاء تقوم عليهم الحجة بمعجزة هذا القرآن وبشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، وبمحتوى هذه الدعوة التي هي دعوة الفطرة، ومع ذلك يطلبون آية وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ أي من الآيات التي يقترحونها مما ذكره في أكثر من مكان في كتابه، وقد جرت سنته تعالى أنه إذا أعطى الكافرين ما اقترحوه من الآيات، ثم أصروا على كفرهم، أن يستأصلهم فهو يعطي الآية أحيانا وأحيانا لا يعطيها، وفي كل فعل من أفعاله حكمة فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ أي هو المختص بعلم الغيب، فهو العالم بالصارف عن إنزال الآيات المقترحة لا غير. قال ابن كثير:(أي الأمر كله لله وهو يعلم العواقب في الأمور). فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ أي إن كنتم لا تؤمنون حتى تشاهدوا ما سألتم فانتظروا حكم الله في وفيكم. وبهذا انتهت المجموعة الثالثة، وقد أقامت الحجة على الكافرين، على أن القرآن حق، وأن الرسول حق، وأن ما هم فيه باطل، وأن ما يطلبونه سفه، فإذا كان هذا كله فتعجبهم من الوحي، والرسول، وفحوى الرسالة باطل، وكلامهم عن الرسول أنه ساحر زور.
وهكذا هدمت هذه المجموعة شبها حول الرسالة والرسول. وفندت تصرفات متعنتة، وأقوالا ظالمة، ومواقف سفيهة، والآن تأتي المجموعة الرابعة في هذا السياق لتعطينا معاني جديدة تحطم عجب الكافرين من أن ينزل وحيا ويرسل رسولا.
[كلمة في السياق]
١ - بدأ المقطع الذي بين أيدينا بذكر تعجيب الكافرين أن ينزل الله وحيا على أحد من خلقه، وبذكر اتهام الكافرين للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر، وسار
المقطع مفندا هذه الأباطيل، ومؤكدا على أن الوحي حق، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم صادق، والمجموعة التي مرت معنا آتية في هذا السياق: إن الكافرين يطلبون آية ليؤمنوا بالوحي وبالرسول، وقد ردت المجموعة عليهم مبينة: أن الكافرين خالفوا أصل الفطرة وعبدوا غير الله، وهذا يقتضي تصحيحا بوحي وبرسول، ولقد كان هذا الوحي هو القرآن، وكان الرسول