فيما يأمر به فإنه تعالى لا يمانع ولا يخالف، والمعنى أن إيجاد كل مقدور على الله بهذه السهولة، فكيف يمتنع عليه البعث الذي هو من بعض المقدورات؟
ثم يكمل الله الرد فيقول: وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ أي في حقه ولوجهه مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا فأوذوا في الله، ومنعوا من عبادة الله وحده لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً أي تبوئة حسنة مأوى ورزقا وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ مما أعطوا في الدنيا لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ أي لو يعلم الذين كفروا لعملوا لذلك، ولرغبوا في الدين، ولكنهم جهلة،
ثم وصف الذين يستأهلون هذا المقام فقال: الَّذِينَ صَبَرُوا على مفارقة الأوطان وعلى المجاهدة وبذل الأرواح في سبيل الله وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ أي يفوضون الأمر إلى ربهم، ويرضون بما أصابهم في دين الله، اجتمع لهم الصبر والتوكل، فأحسن الله لهم العاقبة في الدنيا والآخرة. وبهذا تم الرد الأول، والسؤال الآن ما علاقة الكلام عن الصابرين المتوكلين المهاجرين بالرد؟ الجواب إن حكمة البعث هي أن يعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين فينالوا جزاءهم، وكذلك أن ينال من تحمّل في دين الله جزاءه الكريم من الله، ومن ثم كانت الآيتان الأخيرتان جزءا من الرد، إلا أنهما عرضتا هذا العرض ليحملا مع كونهما ردا معنى مستقلا هو التهييج على الهجرة، والصبر، والتوكل.
فائدة:[كلام ابن كثير حول الآية وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ .. والتي تليها]
مما قاله ابن كثير بمناسبة الآيتين الأخيرتين:
(يخبر تعالى عن جزائه للمهاجرين في سبيله ابتغاء مرضاته، الذين فارقوا الدار والإخوان والخلان، رجاء ثواب الله وجزائه. ويحتمل أن يكون سبب نزول هذه الآية الكريمة في مهاجرة الحبشة الذين اشتد أذى قومهم لهم بمكة حتى خرجوا من بين أظهرهم إلى الحبشة ليتمكنوا من عبادة ربهم، ومن أشرافهم: عثمان بن عفان، ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وجعفر بن أبي طالب، ابن عم الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وأبو سلمة بن عبد الأسود في جماعة قريب من ثمانين، ما بين رجل وامرأة، صدّيق وصديقة، رضي الله عنهم وأرضاهم، فوعدهم الله تعالى بالمجازاة الحسنة في الدنيا والآخرة فقال: لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً قال ابن عباس والشعبي وقتادة:
المدينة. وقيل: الرزق الطيب قاله مجاهد، ولا منافاة بين القولين، فإنهم تركوا مساكنهم وأموالهم فعوّضهم الله خيرا منها في الدنيا، فإن من ترك شيئا عوّضه الله بما هو