وقال صاحب الظلال:(وهكذا تنقسم البشرية إلى حزبين اثنين: حزب الله وحزب الشيطان. وإلى رايتين اثنتين: راية الحق وراية الباطل. فإما أن يكون الفرد من حزب الله فهو واقف تحت راية الحق، وإما أن يكون من حزب الشيطان فهو واقف تحت راية الباطل ... وهما صفان متميزان لا يختلطان ولا يتميعان!!
لا نسب ولا صهر، ولا أهل ولا قرابة، ولا وطن ولا جنس، ولا عصبية ولا قومية ... إنما هي العقيدة، والعقيدة وحدها. فمن انحاز إلى حزب الله ووقف تحت راية الحق فهو وجميع الواقفين تحت هذه الراية إخوة في الله. تختلف ألوانهم وتختلف أوطانهم، وتختلف عشائرهم وتختلف أسرهم، ولكنهم يلتقون في الرابطة التي تؤلف حزب الله، فتذوب الفوارق كلها تحت الراية الواحدة. ومن استحوذ عليه الشيطان فوقف تحت راية الباطل، فلن تربطه بأحد من حزب الله رابطة. لا من أرض، ولا من جنس، ولا من وطن، ولا من لون، ولا من عشيرة، ولا من نسب، ولا من صهر ... لقد أنبتت الوشيجة الأولى التي تقوم عليها هذه الوشائج فأنبتت هذه الوشائج جميعا.
ومع إيحاء هذه الآية بأنه كان هناك في الجماعة المسلمة من تشده أواصر الدم والقرابة وجواذب المصلحة والصداقة، مما تعالجه هذه الآية في النفوس، وهي تضع ميزان الإيمان بهذا الحسم الجازم، والمفاصلة القاطعة ... إلا أنها في الوقت ذاته ترسم صورة لطائفة كانت قائمة كذلك في الجماعة المسلمة، ممن تجردوا وخلصوا ووصلوا إلى ذلك المقام).
[كلمة في السياق]
عرفنا من الآية الأخيرة أن المودة لمن حارب الله ورسوله لا تجتمع مع الإيمان، وهذه القضية من أهم القضايا التي غفل عنها مسلمو القرن الأخير؛ فترتب عليها ما ترتب، والملاحظ أن كلمة حزب الله لم ترد في القرآن إلا مرتين، مرة في معرض الكلام عن الولاء في سورة المائدة، ومرة في معرض الكلام عن المودة في سورة المجادلة فلا يكون الإنسان من حزب الله إلا إذا صفت مودته، وصفى ولاؤه للمؤمنين، وحجب ولاءه ومودته عن الكافرين والمنافقين والفاسقين.