ويربط بعد ذلك بين الحق الذي في تلك الدعوات والحق الذي في خلق السماوات والأرض؛ ثم يوحّد بين تلك الدعوات جميعا ودعوة محمد- صلّى الله عليه وسلم- فكلها من عند الله. وكلها دعوة واحدة إلى الله. ومن ثمّ يمضي في الحديث عن الكتاب الأخير وعن استقبال المشركين له؛ وهم يطلبون الخوارق غير مكتفين بهذا الكتاب وما فيه من رحمة وذكرى لقوم يؤمنون. ويستعجلون بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين.
وفي ثنايا هذا الجدل يدعو المؤمنين إلى الهجرة فرارا بدينهم من الفتنة، غير خائفين من الموت، إذ كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ. غير خائفين من فوات الرزق: وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ.
ويختم السورة بتمجيد المجاهدين في الله وطمأنتهم على الهدى وتثبيتهم: وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا، وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ. فيلتئم الختام مع المطلع وتتضح حكمة السياق في السورة، وتماسك حلقاتها بين المطلع والختام، حول محورها الأول وموضوعها الأصيل).
[وقال الألوسي في تقديمه لسورة العنكبوت]
(أخرج ابن الضريس، والنحاس، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي تعالى عنهما أنها نزلت بمكة. وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير نحو ذلك، وروى القول بأنها مكية عن الحسن وجابر وعكرمة. وعن بعضهم أنها آخر ما نزل بمكة. وفي البحر عن الحبر، وقتادة أنها مدنية. وقال يحيى بن سلام: هي مكية إلا من أولها إلى قوله وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ وذكر ذلك الجلال السيوطي في الإتقان ولم يعزه، وأنه لما أخرجه ابن جرير في سبب نزولها ثم قال: قلت: ويضم إلى ذلك وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ الآية لما أخرجه ابن أبي حاتم في سبب نزولها وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام في ذلك. وهي تسع وستون آية بالإجماع، كما قال الداني والطبرسي. وذكر الجلال في وجه اتصالها بما قبلها أنه تعالى أخبر في أول السورة السابقة عن فرعون أنه عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ