للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى وقت في الدنيا قد سماه وبين مقداره. قالُوا أي كل قوم من الأقوام المكذبة إِنْ أَنْتُمْ أي ما أنتم إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا أي لا فضل بيننا وبينكم، ولا فضل لكم علينا، فلم تخصون بالنبوة دوننا، وكيف نتبعكم ونحن متساوون معكم في البشرية؟

تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ أي بحجة بينة.

وقد جاءتهم رسلهم بالبينات وإنما أرادوا آية يقترحونها تعنتا

قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ أي ما نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أي صحيح أنا بشر مثلكم في البشرية وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أي بالرسالة والنبوة كما من علينا وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ أي على وفق ما سألتم إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي بعد سؤالنا إياه، وإذنه لنا في ذلك. والمعنى: أن الإتيان بالآية التي قد اقترحتموها ليس إلينا ولا باستطاعتنا، وإنما هو أمر يتعلق بمشيئة الله وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ في جميع أمورهم. هذا الأمر من الرسل للمؤمنين كافة بالتوكل، وقصدوا به أنفسهم قصدا أوليا كأنهم قالوا: ومن حقنا أن نتوكل على الله في الصبر على معاندتكم ومعاداتكم وإيذائكم

ثم قال الرسل: وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا أي وأي عذر في ألا نتوكل عليه وقد فعل بنا ما يوجب توكلنا عليه وهو التوفيق لهداية كل منا سبيله الذي يجب عليه سلوكه في الدين، وما يمنعنا من التوكل عليه وقد هدانا لأقوم الطرق وأوضحها وأبينها وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا أي من الكلام السيئ والأفعال السخيفة. وهذا من الرسل حلف على الصبر على أذى أقوامهم وألا يمسكوا عن دعائهم وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ أفاد التكرار التثبيت على مقام التوكل. والمعنى: فليثبت المتوكلون على توكلهم.

وهنا لجأ الأقوام إلى التهديد بإخراج الرسل من أوطانهم ونفيهم: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أي من ديارنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا أي في ديننا أي ليكونن أحد الأمرين: إخراجكم أو عودكم، وحلفوا على ذلك فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ هذا وعد من الله بإهلاك الظالمين واستخلاف المؤمنين إذا تحققوا بصفتين ذلِكَ أي الإهلاك والإسكان لِمَنْ خافَ مَقامِي أي موقفي وهو موقف الحساب، أو خاف قيامي عليه بالعلم وَخافَ وَعِيدِ أي عذابي، أي وعيدي، هذا لمن خاف مقامه بين يدي يوم القيامة وخشي من وعيدي وهو تخويفي وعذابي، والمعنى أن إهلاك الأعداء واستخلاف الأولياء منوطان بوجود التقوى

وَاسْتَفْتَحُوا أي واستنصر الرسل على أعدائهم، أو واستفتح الكفار على الرسل ظنا منهم بأنهم على الحق والرسل على الباطل، أو واستنصر

<<  <  ج: ص:  >  >>