المرض ضد الصحة، والفساد يقابل الصحة فصار المرض اسما لكل فساد، والشك، والنفاق فساد في القلب فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً: أي فزادهم الله رجسا وشرا إلى شرهم عقوبة لهم. وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ: أي بكذبهم في قولهم آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ خداعا للمؤمنين. والكذب هو الإخبار عن الشئ على خلاف ما هو به. وبهذه الآيات الثلاث عرفنا حقيقة النفاق وأسبابه ثم بعد أن بين الله لنا ذلك، ذكر لنا ثلاثة نماذج من أقوالهم ومواقفهم لنعرفهم بها:
١ - وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ، قالُوا: إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ الفساد: خروج الشئ عن حال استقامته وكونه منتفعا به، وضده الصلاح وهو: الحصول على الحال المستقيمة النافعة والمراد بالفساد في الآية الكريمة- والله أعلم- الكفر والعمل بالمعصية، فهؤلاء المنافقون يعملون بالكفر والمعصية ويدعون إليهما، ويزعمون أن ما يفعلون وما يدعون إليه إصلاح وهو عين الفساد، ولكن من جهلهم لا يشعرون أنه فساد و (إنما) في اللغة العربية تفيد: قصر الحكم على شئ أو قصر الشئ على حكم، وقد استعملوها في تعبيرهم. إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ فذلك يدل على أنهم يتصورون أن صفة المصلحين خلصت لهم وتمحضت من غير شائبة تقدح فيها من وجه من وجوه الفساد، ولم يظهر أهل هذه الآية في عصر كما ظهروا في عصرنا- في القرن الخامس عشر الهجري- إذ تجد الدعاة إلى الكفر والمعصية والعاملين بهما ممن لهم أسماء إسلامية، ويتظاهرون بأنهم مسلمون، ويخلعون على أنفسهم ودعواتهم الكافرة أسماء براقة تعطيهم صفة المصلحين، كالتقدمية والتقدميين، والحرية والأحرار، وقد روي من غير طريق ذكره ابن كثير عن سلمان الفارسي، في قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ: ما جاء هؤلاء. لم يجئ أهل هذه الآية بعد .. أقول: قد جاءوا في عصرنا ورأيناهم ونسأل الله أن يطهر الأرض منهم. قال ابن جرير: يحتمل أن سلمان (رضي الله عنه) أراد بهذا أن الذين يأتون بهذه الصفة أعظم فسادا من الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا أنه عنى أنه لم يمض ممن تلك صفته أحد.
٢ - وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ السفه: سخافة العقل وخفة الحلم. والناس في الآية هم الكاملون في الإنسانية وهم المؤمنون، لأنهم هم الناس على الحقيقة ومن عداهم كالبهائم.