عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى حيث كانت مخلوقات ولم تكونوا فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ قدرة الله على إبادتكم كما لم تكونوا، فترجعون إلى الله وتؤمنون وتعبدون وتستعدون لليوم الآخر، ولم أجد هذا الاتجاه فيما قرأته من تفاسير، ولذلك فإنني أذكره كاحتمال من احتمالات الفهم مع ترجيحي لما ذكره ابن كثير، وهكذا أقام الله عزّ وجل الحجة على الكافرين بالله واليوم الآخر من خلال ظاهرة الإحياء والإماتة، واستمرار ظاهرة الحياة وقدرة الله عزّ وجل على تغيير خلق الإنسان كما شاء، وكما أقام الله عزّ وجل الحجة على مجئ اليوم الآخر. أقام الحجة على أنه سبحانه وتعالى هو الخالق.
[كلمة في السياق]
إن الصلة واضحة بين الآيات التي مرت وبين قوله تعالى في المحور: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وسنرى أن الصلة واضحة أيضا بين آيات الحجج الثلاث القادمة وبين الآية الثانية في المحور هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
[الحجة الثانية]
أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أي: ما تحرثونه من الأرض بإثارتها وإلقاء البذار فيها
أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ قال ابن كثير: أي تنبتونه في الأرض، وقال النسفي:(أي تنبتونه وتروونه نباتا) أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ أي: المنبتون؟ بل الله هو الذي يقر قراره وينبته في الأرض
لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً أي: هشيما متكسرا قبل إدراكه، قال ابن كثير: أي نحن أنبتناه بلطفنا ورحمتنا، وأبقيناه لكم رحمة بكم، ولو نشاء لجعلناه حطاما، أي: لأيبسناه قبل استوائه واستحصاده فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ قال النسفي:
(أي تتعجبون أو تندمون على تعبكم فيه وإنفاقكم عليه، أو على ما اقترفتم من المعاصي التي أصبتم بذلك من أجلها)
قال ابن كثير:(ثم فسر ذلك (أي: تفكههم) بقوله:
إِنَّا لَمُغْرَمُونَ أي: تقولون إنا لملزمون غرامة ما أنفقنا، أو مهلكون لهلاك رزقنا). أقول: جرت عادة قساة القلوب أنهم إذا أصابتهم مصيبة، وذهبت عنهم الصدمة الأولى، أن يتحدثوا عن مصيبتهم بروح النكتة والفكاهة، وعلى هذا يمكن أن تفهم الآيات بأن هؤلاء يتفكهون بذكر ما أصابهم، ويمكن أن يكون المراد بالتفكه التحسر والتفجع، قال الكسائي: تفكه من الأضداد، تقول العرب: تفكهت بمعنى: